كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 7)

وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَأَبُو يُوسُفَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ يَرُدُّهَا وَقِيمَةَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ - وَهُوَ أَيْضًا خِلَافُ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: يُؤَدِّي أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ صَاعًا مِنْ أَغْلَبِ عَيْشِهِمْ - وَهَذَا خِلَافٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إنْ كَانَ اللَّبَنُ حَاضِرًا لَمْ يَتَغَيَّرْ رَدَّهَا وَرَدَّ اللَّبَنَ، وَلَا يَرُدُّ مَعَهَا صَاعَ تَمْرٍ وَلَا شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَكَلَ اللَّبَنَ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهَا، لَكِنْ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ فَقَطْ - وَهَذَا خِلَافٌ ظَاهِرٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ قَدْ أَكَلَ اللَّبَنَ رَدَّهَا وَقِيمَةَ مَا أَكَلَ مِنْ اللَّبَنِ. وَيَكْفِي مِنْ فَسَادِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ: أَنَّهُمَا خِلَافُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ لَا سَلَفَ لَهُمْ فِيهِ، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُمْ، وَأَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا خَالَفَ تَقْلِيدَهُمْ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاعْتَرَضُوا فِي ذَلِكَ بِأَنْ تَعَلَّلُوا فِي الْخَبَرِ بِعِلَلٍ، فَمَرَّةً قَالُوا: هُوَ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ؟ فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ، بَلْ هُوَ أَصْلٌ مِنْ كِبَارِ الْأُصُولِ، وَإِنَّمَا الْمُخَالِفُ لِلْأُصُولِ قَوْلُكُمْ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ خَاصَّةً.
وَقَوْلُكُمْ بِأَنَّ الْقَلْسَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَصْلًا إلَّا إذَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ.
وَقَوْلُكُمْ فِي جُعْلِ الْآبِقِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا إذَا كَانَ عَلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثٍ.
وَقَوْلُكُمْ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ رُبُعُ ثَمَنِهَا، وَالْوُضُوءِ بِالْخَمْرِ، وَسَائِرِ تِلْكَ الطَّوَامِّ الَّتِي هِيَ بِالْمَضَاحِكِ، وَبِمَا يَأْتِي بِهِ الْمُبَرْسَمُ: أَشْبَهُ مِنْهَا بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ.
وَمَرَّةً قَالُوا: لَمَّا لَمْ يَقِسْ عَلَيْهِ الْقَائِلُونَ بِهِ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَتْرُوكٌ؟ فَقُلْنَا: الْقِيَاسُ بَاطِلٌ؛ وَهَلَّا عَارَضْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ، إذْ لَمْ تَقِيسُوا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ وَالْمُعْتَقِ بِصِفَةٍ، وَإِذْ لَمْ تَقِيسُوا عَلَى الْخُبْزِ فِي الْأَكْلِ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ، وَإِذْ لَمْ تَقِيسُوا عَلَى الْجَنِينِ يُلْقَى فَيَكُونُ فِيهِ غُرَّةٌ.
وَمَرَّةً قَالُوا: هُوَ مَنْسُوخٌ بِالتَّحْرِيمِ فِي الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ طَعَامٌ مِنْ التَّمْرِ بِطَعَامٍ مِنْ اللَّبَنِ؟ فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ مَا هُوَ لَبَنٌ بِطَعَامٍ وَلَا بِتَمْرٍ، إنَّمَا هُوَ تَمْرٌ أَوْجَبَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُبْتَاعِ - إنْ رَدَّ عَلَيْهِ الْمُصَرَّاةَ - كَمَا أَوْجَبَ الصَّدَاقَ عَلَى الزَّوْجِ لَا عَلَى الْمَرْأَةِ وَهِيَ مُسْتَحِلَّةٌ بِذَلِكَ

الصفحة 577