كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 7)

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا نُرَاعِي الْغَبْنَ حِينَ عَقْدِ الْبَيْعِ لَا بَعْدَهُ وَلَا قَبْلَهُ، فَلَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَالَ مَالِكٌ: لَهُ الرَّدُّ، وَيَأْخُذُ جَمِيعَ الثَّمَنِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ بَعْدُ، وَتَمْلِيكُهُ غَيْرَهُ جَائِزٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ إنَّمَا عَلَيْهِ إطْلَاقُ يَدِ مَنْ مَلَّكَهُ إيَّاهُ عَلَيْهِ فَقَطْ - وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَا شَيْءَ لَهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْآبِقُ فَيَرُدَّهُ، أَوْ يَمُوتَ فَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ.
قَالَ عَلِيٌّ: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، لَا بُرْهَانَ عَلَيْهِمَا، وَلَا نَعْلَمُ لَهُمَا قَائِلًا قَبْلَهُمَا - نَعْنِي تَقْسِيمَهُمَا الْمَذْكُورَ - وَأَمَّا السِّلْعَةُ الَّتِي تَتَبَعَّضُ فَيُوجَدُ بِبَعْضِهَا عَيْبٌ فَقَوْلُ شُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، كَقَوْلِنَا إمَّا أَنْ يَرُدَّ الْجَمِيعَ وَإِمَّا أَنْ يُمْسِكَ الْجَمِيعَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الْمَعِيبُ هُوَ وَجْهَ الصَّفْقَةِ، أَوْ الَّذِي فِيهِ الرِّبْحُ رَدَّ الْجَمِيعَ، أَوْ أَمْسَكَ الْجَمِيعَ، وَإِنْ كَانَ الْمَعِيبُ لَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ كَانَ لَهُ رَدُّهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَقَطْ - وَهَذَا قَوْلٌ لَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ خُفَّيْنِ، أَوْ مِصْرَاعَيْنِ، فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا رَدُّهُمَا مَعًا، أَوْ إمْسَاكُهُمَا مَعًا، فَإِنْ كَانَا عَبْدَيْنِ أَوْ ثَوْبَيْنِ كَانَ لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِمْسَاكُ الْآخَرِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ أَحَدِ الْخُفَّيْنِ وَأَحَدِ الْمِصْرَاعَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، كَجَوَازِ بَيْعِ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ، وَأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ، وَلَا فَرْقَ، فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ ذَلِكَ فِي الرَّدِّ بَاطِلٌ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلٌ لَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ.
وَمِمَّا يُبْطِلُ رَدَّ بَعْضِ السِّلْعَةِ: أَنَّ بَاقِيَهَا الَّذِي يَحْتَبِسُ بِهِ يَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْسِكُهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَصَارَ بَيْعًا بِقِيمَةٍ، وَالْبَيْعُ بِالْقِيمَةِ لَا يَجُوزُ.
وَأَمَّا مَنْ وَطِئَ، أَوْ اسْتَغَلَّ، أَوْ اسْتَعْمَلَ ثُمَّ وَجَدَ الْعَيْبَ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا: إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا رَدَّهَا وَنِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا عُشْرَ قِيمَتِهَا

الصفحة 589