كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 7)
وَلَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ عَقْدُ مَيِّتٍ قَدْ بَطَلَ مِلْكُهُ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَلَوْ أَنَّهُ آجَرَ مَنَافِعَ حَادِثَةً فِي مِلْكِ غَيْرِهِ لَكَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا بِلَا خِلَافٍ وَهَذَا هُوَ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ.
وَأَمَّا مَوْتُ الْمُسْتَأْجِرِ: فَإِنَّمَا كَانَ عَقْدُ صَاحِبِ الشَّيْءِ مَعَهُ لَا مَعَ وَرَثَتِهِ فَلَا حَقَّ لَهُ عِنْدَ الْوَرَثَةِ، وَلَا عَقْدَ لَهُ مَعَهُمْ، وَلَا تَرِثُ الْوَرَثَةُ مَنَافِعَ لَهُمْ تُخْلَقُ بَعْدُ، وَلَا مَلَكَهَا مُوَرِّثُهُمْ قَطُّ - وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَيْسَ لِمَيِّتٍ شَرْطٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الصَّمَدِ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ - عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِيمَنْ آجَرَ دَارِهِ عَشْرَ سِنِينَ فَمَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: تُنْتَقَضُ الْإِجَارَةِ. وَقَالَ مَكْحُولٌ: قَالَ ابْنُ سِيرِينَ، وَإِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: لَا تُنْتَقَضُ، وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمَا: لَا تُنْتَقَضُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِمَا، وَلَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا.
وَأَقْصَى مَا احْتَجُّوا بِهِ أَنْ قَالُوا: عَقْدُ الْإِجَارَةِ قَدْ صَحَّ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْتَقَضَ إلَّا بِبُرْهَانٍ. قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، وَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْبُرْهَانِ.
وَقَالُوا: فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ فِي الْأَحْبَاسِ؟ قُلْنَا: رَقَبَةُ الشَّيْءِ الْمُحْبَسِ لَا مَالَك لَهَا إلَّا اللَّهُ، وَإِنَّمَا لِلْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ الْمَنَافِعُ فَقَطْ، فَلَا تُنْتَقَضُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمْ، وَلَا بِوِلَادَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ بَعْضَ الْمَنْفَعَةِ، لَكِنْ إنْ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ اُنْتُقِضَتْ الْإِجَارَةُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ عَقْدَهُ قَدْ بَطَلَ بِمَوْتِهِ وَلَا يَلْزَمُ غَيْرُهُ، إذْ النَّصُّ مِنْ الْقُرْآنِ قَدْ أَبْطَلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] .
فَإِنْ قَالُوا: قَدْ سَاقَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ الْيَهُودَ، وَمَلَّكَهَا لِلْمُسْلِمِينَ، بِلَا شَكٍّ فَقَدْ مَاتَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَوْمٌ وَمِنْ الْيَهُودِ قَوْمٌ وَالْمُسَاقَاةُ بَاقِيَةٌ.
الصفحة 6
628