كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 7)

قُلْنَا: إنَّ هَذَا الْخَبَرَ حَقٌّ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، بَلْ وَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ لِوُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ:
أَوَّلُهَا - أَنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ لَمْ يَكُنْ إلَى أَجَلٍ مَحْدُودٍ، بَلْ كَانَ مُجْمَلًا يُخْرِجُونَهُمْ إذَا شَاءُوا، وَيُقِرُّونَهُمْ مَا شَاءُوا، كَمَا نَذْكُرُهُ فِي " الْمُسَاقَاةِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَيْسَتْ الْإِجَارَةُ هَكَذَا.
وَالثَّانِي - أَنَّهُ إنْ كَانَ لَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا تَجْدِيدُ عَقْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَامِلِهِ النَّاظِرِ عَلَى تِلْكَ الْأَمْوَالِ مَعَ وَرَثَةِ مَنْ مَاتَ مِنْ الْيَهُودِ، وَوَرَثَةِ مَنْ مَاتَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يَأْتِ أَيْضًا، وَلَا نُقِلَ أَنَّهُ اكْتَفَى بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ عَنْ تَجْدِيدِ آخَرَ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، وَلَا لَنَا، بَلْ لَا شَكَّ فِي صِحَّةِ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ فِي ذَلِكَ.
وَالثَّالِثُ - أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ احْتِجَاجُ قَوْمٍ بِخَبَرٍ لَا يَقُولُونَ بِهِ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِهِ، وَهَذَا مَعْكُوسٌ.
وَالرَّابِعُ - أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ إنَّمَا هُوَ فِي " الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ " وَكَلَامُنَا هَهُنَا فِي الْإِجَارَةِ وَهِيَ أَحْكَامٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَوَّلُ مَنْ يُخَالِفُ بَيْنَهُمَا، فَالْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ الْمُخَالِفُونَ لَنَا فِي هَذَا الْمَكَانِ، فَلَا يُجِيزَانِ الْمُزَارَعَةَ أَصْلًا، قِيَاسًا عَلَى الْإِجَارَةِ، وَلَا يَرَيَانِ لِلْمُسَاقَاةِ حُكْمَ الْإِجَارَةِ، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ لَا يَقِيسُوا الْإِجَارَةَ عَلَيْهِمَا وَهُمْ أَهْلُ الْقِيَاسِ ثُمَّ يُلْزَمُونَنَا أَنْ نَقِيسَهَا عَلَيْهِمَا وَنَحْنُ نُبْطِلُ الْقِيَاسَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا الْبَيْعُ، وَالْهِبَةُ، وَالْعِتْقُ، وَالْإِصْدَاقُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَيَقُولُ {الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} [الحديد: 18] . وَيَقُولُ {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] .
وَحَضَّ عَلَى الْعِتْقِ، فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ، فَكُلُّ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا يَمْلِكُهُ الْمَرْءُ، فَإِذَا نَفَذَ كُلُّ ذَلِكَ فِيهِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ مَالِكِهِ، فَإِذَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَقَدْ بَطَلَ عَقْدُهُ فِيهِ، إذْ لَا حُكْمَ لَهُ فِي مَالِ غَيْرِهِ.
وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَنَافِعُ حَادِثَةٌ فِي مِلْكِ غَيْرِ مُؤَاجِرِهِ، وَخِدْمَةُ حُرٍّ لَمْ يُعَاقِدْهُ قَطُّ، لِأَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِ مَالِكِهَا، وَبِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِ الْحُرِّ، فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ

الصفحة 7