كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 7)

وَقَضِيَّةُ تَخْصِيصِهِمْ الْجَوَازَ بِالْقَاضِي حُرْمَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْأَوْجَهُ جَوَازُهُ لِامْتِنَاعِ التَّلْقِينِ عَلَى الْحَاكِمِ دُونَ غَيْرِهِ (أَنْ يَعْرِضَ لَهُ) حَيْثُ كَانَ جَاهِلًا وُجُوبَ الْحَدِّ وَهُوَ مَعْذُورٌ كَمَا فِي التَّعْزِيرِ، وَلَعَلَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ إذْ الْعَالِمُ قَدْ تَطْرَأُ لَهُ دَهْشَةٌ فَلَا فَرْقَ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ (بِالرُّجُوعِ) عَنْ الْإِقْرَارِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِجَوَازِهِ فَيَقُولُ: لَعَلَّك قَبَّلْتَ فَاخَذْتَ أَخَذْتَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ غَصَبْتَ انْتَهَبْتَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ مَا شَرِبْتَهُ مُسْكِرٌ؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَّضَ بِهِ لِمَاعِزٍ وَقَالَ لِمَنْ أَقَرَّ عِنْدَهُ بِالسَّرِقَةِ مَا أَخَالُكَ سَرَقْتَ، قَالَ بَلَى، فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ» .
وَالثَّانِي لَا يَعْرِضُ لَهُ.
وَالثَّالِثُ: يَعْرِضُ لَهُ إنْ جَهِلَ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ، فَإِنْ عَلِمَ فَلَا، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ بِالرُّجُوعِ أَنَّهُ لَا يَعْرِضُ لَهُ بِالْإِنْكَارِ أَيْ مَا لَمْ يَخْشَ أَنَّ ذَلِكَ يَحْمِلُهُ عَلَى إنْكَارِ الْمَالِ أَيْضًا فِيمَا يَظْهَرُ، وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ التَّعْرِيضُ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ، وَقَوْلُهُ لِلَّهِ يُفِيدُ أَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ لَا يَحُلُّ التَّعْرِيضُ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُفِدْ الرُّجُوعُ فِيهِ شَيْئًا، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ فِيهِ حَمْلًا عَلَى مُحَرَّمٍ فَهُوَ كَمُتَعَاطِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ (وَلَا يَقُولُ) لَهُ (ارْجِعْ) عَنْهُ أَوْ اجْحَدْهُ قَطْعًا فَيَأْثَمُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْكَذِبِ، وَلَهُ أَنْ يَعْرِضَ لِلشُّهُودِ بِالتَّوَقُّفِ فِي حَدِّهِ تَعَالَى إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي السَّتْرِ وَإِلَّا فَلَا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّعْرِيضُ، وَلَا لَهُمْ التَّوَقُّفُ عِنْدَ تَرَتُّبِ مَفْسَدَةٍ عَلَى ذَلِكَ مِنْ ضَيَاعِ الْمَسْرُوقِ أَوْ حَدٍّ لِلْغَيْرِ.

(وَلَوْ) (أَقَرَّ بِلَا دَعْوَى) أَوْ بَعْدَ دَعْوَى مِنْ وَكِيلٍ لِلْغَائِبِ شَمِلَتْ وَكَالَتُهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَشْعُرْ الْمَالِكُ بِهَا أَوْ شَهِدَ بِهَا حِسْبَةً (أَنَّهُ سَرَقَ مَالَ زَيْدٍ الْغَائِبِ) أَوْ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ السَّفِيهُ (لَمْ يُقْطَعْ فِي الْحَالِ بَلْ) يُحْبَسُ وَ (يُنْتَظَرُ حُضُورُهُ) وَكَمَالُهُ وَمُطَالَبَتُهُ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُقِرُّ لَهُ بِهِ بِالْإِبَاحَةِ أَوْ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْقَطْعُ وَإِنْ كَذَّبَهُ كَمَا مَرَّ، أَمَّا بَعْدَ دَعْوَى الْمُوَكِّلِ فَلَا انْتِظَارَ لِعَدَمِ احْتِمَالِ الْإِبَاحَةِ هُنَا، وَنَحْوُ الصَّبِيِّ يُمْكِنُ أَنْ يُمَلِّكَهُ عَقِبَ الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ وَقَبْلَ الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ فَيَسْقُطُ الْقَطْعُ أَيْضًا.
وَلَا يُشْكِلُ حَبْسُهُ هُنَا بِعَدَمِهِ فِيمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَالِ غَائِبٍ؛ لِأَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِالْقَطْعِ فِي الْجُمْلَةِ لَا بِمَالِ الْغَائِبِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ مَاتَ عَنْ نَحْوِ طِفْلٍ حُبِسَ؛ لِأَنَّهُ لَهُ بَلْ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ حِينَئِذٍ.

(أَوْ) أَقَرَّ (أَنَّهُ أَكْرَهَ أَمَةَ غَائِبٍ عَلَى الزِّنَى) أَوْ زَنَى بِهَا (حُدَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــSأَيْ الْجَوَازُ
(قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ جَوَازُهُ) أَيْ مِنْ الْغَيْرِ
(قَوْلُهُ: فَلَا فَرْقَ) أَيْ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَخْشَ) مُتَّصِلَةٌ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِالرُّجُوعِ فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهَا قَبْلَ قَوْلِهِ وَأَفْهَمَ، وَعِبَارَةُ حَجّ: وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ أَقَرَّ أَنَّ لَهُ قَبْلَ الْإِقْرَارِ وَلَا بَيِّنَةَ حَمْلَهُ بِالتَّعْرِيضِ عَلَى الْإِنْكَارِ: أَيْ مَا لَمْ يَخْشَ أَنَّ ذَلِكَ إلَخْ اهـ
(قَوْلُهُ: لَا يَحِلُّ التَّعْرِيضُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ لَا يُقْبَلُ
(قَوْلُهُ: فَيَأْثَمُ بِهِ) وَمِثْلُ الْقَاضِي غَيْرُهُ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْكَذِبِ) إنْ رَجَعَ الْمَتْنُ أَيْضًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ دَلَّ عَلَى تَضَمُّنِ الرُّجُوعِ الْكَذِبَ فَيُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّعْرِيضِ بِالرُّجُوعِ وَالتَّعْرِيضِ بِالْإِنْكَارِ، وَأَنَّ فِي الثَّانِي حَمْلًا عَلَى الْكَذِبِ، وَتَسْلِيمُ ذَلِكَ فِي الْجَوَابِ مَعَ الِاعْتِذَارِ عَنْهُ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْحَمْلِ عَلَى الْكَذِبِ وَالْأَمْرِ بِهِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ سم عَلَى حَجّ
(قَوْلُهُ: أَوْ حَدٍّ لِلْغَيْرِ) وَمِثْلُهُ بِالْأَوْلَى مَا لَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.

(قَوْلُهُ: شَمِلَتْ وَكَالَتُهُ ذَلِكَ) أَيْ الدَّعْوَى كَأَنْ وَكَّلَهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالدَّعَاوَى
(قَوْلُهُ: أَوْ الْمِلْكِ) هَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَأْتِي فِي الصَّبِيِّ وَالْمَحْنُونِ وَالسَّفِيهِ لَكِنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ قَدْ يَبْلُغُ الصَّبِيُّ إلَخْ فَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَذَّبَهُ) أَيْ كَذَّبَ الْمُقِرُّ الْمَالِكَ
(قَوْلُهُ: أَمَّا بَعْدَ دَعْوَى الْمُوَكِّلِ فَلَا انْتِظَارَ) أَيْ بِأَنْ ادَّعَى مَثَلًا ثُمَّ سَافَرَ وَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ سَفَرِ الْمُدَّعِي
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ) أَيْ الْحَاكِمِ (وَقَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ لَوْ مَاتَ) أَيْ الْمَالِكُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: دُونَ غَيْرِهِ) أَيْ فَهُوَ أَوْلَى بِالْجِوَارِ (قَوْلُهُ: وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ: لِلرُّجُوعِ أَنَّهُ لَا يُعَرَّضُ لَهُ بِالْإِنْكَارِ إلَخْ.) صَوَابُهُ مَا فِي التُّحْفَةِ وَنَصُّهُ: وَقَوْلُهُ: أَيْ وَأَفْهَمَ قَوْلُ الْمَتْنِ أَقَرَّ أَنَّ لَهُ قَبْلَ الْإِقْرَارِ وَلَا بَيِّنَةَ حَمَلَهُ بِالتَّعْوِيضِ عَلَى الْإِنْكَارِ: أَيْ مَا لَمْ يَخْشَ إلَخْ. وَلَعَلَّ صُورَةَ إنْكَارِ السَّرِقَةِ دُونَ الْمَالِ كَأَنْ يُقِرَّ بِهِ وَيَدَّعِيَ أَنَّهُ أَخَذَهُ بِشُبْهَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ

(قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ لَوْ مَاتَ)

الصفحة 464