كتاب الطبقات الكبرى ط العلمية (اسم الجزء: 7)

كَذَا وَكَذَا. فَجَعَلْتُ لا أَسْمَعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلا حَفِظْتُهُ كَأَنَّمَا تَغَرَّى فِي صَدْرِي حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ قُرْآنًا كَثِيرًا. قَالَ: وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلامِهَا الْفَتْحَ يَقُولُونَ: انْظُرُوا فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ صَادِقٌ وَهُوَ نَبِيٌّ. قَالَ: فَلَمَّا جَاءَتْنَا وَقْعَةُ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلامِهِمْ. قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبِي بِإِسْلامِ حِوَائِنَا ذَلِكَ. قَالَ: فَأَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُقِيمَ. قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ. فَلَمَّا دَنَا تَلَقَّيْنَاهُ فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ قَالَ: جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقًّا. ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ يَأْمُرُكُمْ بِكَذَا وَيَنْهَاكُمْ عَنْ كَذَا وَكَذَا وَأَنْ يُصَلُّوا صَلاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا وَصَلاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا. فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا. قَالَ: فَنَظَرَ أَهْلُ حِوَائِنَا فَمَا وَجَدُوا أَحَدًا أَكْثَرَ مِنِّي قُرْآنًا لِلَّذِي كُنْتُ أَحْفَظُهُ مِنَ الرُّكْبَانِ. قَالَ: فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَكُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ وَأَنَا ابْنُ سِتِّ سِنِينَ. قَالَ: وَكَانَ عَلَيَّ بُرْدَةٌ كُنْتُ إِذَا جَلَسْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي.
فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْحَيِّ: أَلا تُغَطُّونَ عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ! قَالَ: فَكَسُونِي قَمِيصًا مِنْ مَعْقَدِ الْبَحْرَيْنِ. قَالَ: فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ أَشَدَّ مِنْ فَرَحِي بِذَلِكَ الْقَمِيصِ.
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ قَالَ: كُنْتُ أَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ فَيُقْرِئُونِي الآيَةَ. فَكُنْتُ أَؤُمُّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شعبة بن أَيُّوبَ قَالَ:
سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ سَلَمَةَ قَالَ: [ذَهَبَ أَبِي بِإِسْلامِ قَوْمِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُمْ: يَؤُمُّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا. قَالَ: فَكُنْتُ أَصْغَرَهُمْ فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ. فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: غَطُّوا اسْتَ قَارِئِكُمْ. فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ مَا فَرِحْتُ بِذَلِكَ الْقَمِيصِ] .
قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: [لَمَّا رَجَعَ قَوْمِي مِنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا إِنَّهُ قَالَ: لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قِرَاءَةً لِلْقُرْآنِ. قَالَ:
فَدَعَوْنِي فَعَلَّمُونِي الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ. قَالَ: فَكُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ مَفْتُوقَةٌ فَكَانُوا يَقُولُونَ لأَبِي: أَلا تُغَطِّي عَنَّا اسْتَ ابْنِكَ!] .

الصفحة 62