كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 7)

الفرض عن الباقين، وإذا قام بدفن الميت والصلاة عليه من تقع به الكفاية، أو قام بتعلم العلم من تقع به الكفاية سقط الفرض عن الباقين؛ وألا - عصوا جميعاً؛ والدليل على أنه فرض على الكفاية قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ ...} إلى قوله: {وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: 95]، ذكر فصل المجاهدين، ثم وعد الحسنى لمن جاهد ولمن قعد، ولو كان فرضاً على العين - لم يكن يعد الحسنى لمن قعد وترك الفرض.
القسم الثاني: من فروض الكفاية: يكون على الإمام، وهو: أن يكون الكفار فارين من بلادهم، لم يقصدوا المسلمين ولا بلداً من بلادهم؛ فعلى الإمام ألا يُخلي كل سنة من غزوة يغزوها بنفسه أو بسراياه؛ حتى لا يكون الجهاد معطلاً، فإن فعل في كل عام مراراً - كان أفضل؛ لما فيه من قوة الإسلام، وقمع أهل الشرك، فإن لم يفعل، فأقله مرة في كلسنة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يدع ذلك، ولأنه يحتاج إلى مالٍ يتعيش به، هو الجند؛ ولا وجه إلا من الجهاد.
قال الشافعي - رحمه الله-: ولا يدع ذلك في كل سنة إلا لضرورة أو عُذر؛ فالضرورة: أن يكون في المسلمين ضعف، وفي الأعداء كثرة؛ بخلاف الاصطلام لو ابتدأهم بالقتال؛ فهو مضطر إلى تركه.
والعذر أن يكون في الطريق ضيقٌ، وقلة علفٍ، فيؤخر على إدراك الغلة، أو يرجو مدداً يلحقهم، أو يرجو إسلام قوم، لو ترك قتالهم - فيجوز التأخير؛ كما أخر النبي -صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية.
وإنما يجب فرض الكفاية على من وجد أهبة الخروج: من الزاد والراحلة، ووجد نفقة الذهاب والروع له ولمن تلزمه نفقته، فإن لم يجد - فليس له أن يتطوع بالخروج، ويدع الفرض، وكل عذر يمنع وجوب الحج - يمنع وجوب الجهاد إلا الخوف؛ فإنه يمنع وجوب الحج، ولا يمنع وجوب الجهاد؛ [لأن الجهاد يجب مع الخوف].
فصلٌ: في الأعذار
قال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ} [التوبة: 91] وقال: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [الفتح: 17].

الصفحة 449