كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 7)

قال الله تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا} [آل عمران: 112].
ولا يجوز لمسلم أن يوادوا أحداً منهم؛ قال الله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} [المائدة: 51].
ولا يجوز أن يسلم على من لقيه منهم، وإن بدأ هو بالسلام، فلا يجبه، لما روي عن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه".
يريد: أنه لا يترك له صدر الطريق، بل يلجئه على طريق البهائم، ويضيق عليه الطريق من غير أن يصدم به حائطاً، أو يلقيه في وهدة، ولا يصدرون في المجالس، ولا يوقرون توقير أهل الإسلام.
وكل بلدة بناها المسلمون؛ مثل مصر وبغداد-: لا يجوز لأهل الذمة أن يحدثوا فيها بيعة، أو كنيسة. أو صومعة، إلا أن تكون في المفازة لهم كنيسة، فاتصل بها بنيان المسلمين-: فلا تُهدم.
أما ما كان لهم من البلاد - نُظر: عن فتحها المسلمون عنوة، ولم يكن لهم فيها كنيسة، أو كانت قائمة، ولكنها انهدمت، أو هدمها المسلمون في القهر-: لا يجوز لهم بناؤها.
وإن كانت قائمة-: هل يجوز تقريرها؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز؛ كما لا يجوز الإحداث؛ لأن ملكهم زال عنها قهراً.
والثاني: يجوز؛ لأنه لما جاز إقرارهم مع ما هم عليه من الكفر-: جاز إقرار أبنيتهم.
وإذا بنى واحدٌ منهم داراً-: لايجوز أن يرفع بناءه عن بناء جيرانه من المسلمين، فإن فعل-: يهدم، وهل يمنع من المساواة، أم يجب أن يكون دون بناء المسلمين؟ فيه وجهان
أحدهما: يمنع، حتى يكون بناؤه دون بناء المسلمين.
والثاني: يجوز]، وإنما يمنع من الإطالة على بناء جيرانه، حتى لا يطلع على عورات المسملين.

الصفحة 509