كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 7)
والثاني: لا يجوز؛ لأن الذمي بعقد الذمة يلتزم أحكام المسلمين، ولا يصح التزامها إلا مؤبداً؛ ألا ترى أن من التزمها بالإسلام إلى وقتٍ-: لا يجوز.
ولو جاء مشرك يطلب المهادنة-: لا يجب على الإمام الإجابة إليها؛ لأنه لا منفعة للمسلمين فيها، بخلاف ما لو جاءوا، وبذلوا الجزية-: يجب قبولها؛ لقوله تعالى-: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] فوضع عنهم القتل والاسترقاق بقبول الجزية ويجوز عقد الهدنة على مال يؤخذ منهم، ولا يجوز على مال يعطيهم؛ لأنفيه إلحاق صغار بأهل الإسلام، وقد أعز الله الإسلام، وأهله ظاهرون، قُتلوا أو قَتلوا؛ فلا يعطي مشرك على الكف عنهم شيئاً؛ فإن دعت ضرورة بأن أحاط الكفار بالمسلمين، وخافوا الاصطلام-: فيجوز للإمام أن يعطيهم مالاً؛ ليتصرفوا، أو يفدي أسيراً؛ لأن الاصطلام-: فيجوز للإمام أن يعطيهم مالاً؛ ليتصرفوا، أو يفدي أسيراً؛ لأن الاصطلام وتعذيب الأسير في أيديهم أعظم من بذل المال؛ فجاز البذل لدفع أعظم الضررين، وبذل المال واجب في هذا الموضع، ليرد هذا الضرر.
وإن عقد الهدنة على ما لا يجوز؛ بأن شرط ألا ينزع أسارى المسلمين من أيديهم، وما أخذوا من أموالهم، أو أسيراً تفلت من أيديهم أن يرده إليهم، وإن أتانا منهم امرأة مسلمة أن نردها إليهم، أو عقد الذمة على أقل من دينار، أو على ألا تجري عليهم أحكامنا، أو على مقامهم في الحجاز، أو على دخولهم الحرم، أو بناء كنيسة في دار الإسلام، أوترك الغيار، أو إظهار الخمر والخنزير-: وجب نقضه.
وقد شرط النبي -صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية شروطاً؛ لضعف أهل الإسلام، فرد الله بعضها، ولا يجوز اليوم شرطها؛ لظهور عز الإسلام، وقوة أهله، إلا في موضع قريب من الكفار؛ يخافون على أنفسهم منهم؛ فمنها: الكف عن القتال عشر سنين، وأن من أتى المسلمين من الكفار مسلماً ردوه، ومن أتاهم منا لا يردونه حتى رد أبا جندل وأبا بصير، ثم جاءت بعدها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مسلمة، فجاء أخوها في طلبها، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ....} إلى قوله: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10]، فلم يردها النبي - صلى الله عليه وسلم- وكان لا يرد النساء، ويعطي أزواجهن ما أعطوا من مهورهن؛ لقول الله تعالى: {وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا} [الممتحنة: 10] وأراد به: ما أعطوا من الصداق.
واختلف القول في أن شرط الرد: هل تناول النساء أم لا؟
أحد القولين: أن الشرط تناول الرجال والنساء جميعاً، وكان ذلك جائزاً في الشرع، ثم صار منسوخاً في حق النساء، لقوله تعالى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10].
الصفحة 520
536