كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 7)

وإذا أتلف مسلمٌ أو ذمي على واحدٍ من أهل الهدنة مالاً أو نفساً-: يجب عليه الضمان.
وإن قذفه-: يجب التعزير؛ لأن الهدنة تقتضي الكف عن أنفسهم، وأموالهم وأعراضهم، ومن أتلف منهم مالاً على مسلم-: يجب الضمان، وإن قتله-: يجب القصاص، وإن قذفه-: يجب الحد؛ لأن الهدنة تقتضي الأمان من الجانبين، والله أعلم.
باب نقض العهد
قال الله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58].
إذا عقد الإمام الهدنة مع قوم إلى مدة-: يجب الوفاء بها إلى انقضاء المدة؛ لقوله عز وجل: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وقوله عز وجل: {إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ...} إلى قوله: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة: 4]، وقال تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التوبة: 7].
روي عن سليمان بن عامر قال: "كان بين معاوية وبين الروم عهد، وكان يسير نحو بلادهم حتى إذا انقضى العهد-: أغار عليهم، فقال عمرو بن عبسة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من كان بينه وبين قوم عهدٌ-: فلا يحلن عهداً ولا يشدنه، حتى ينقضي أمده، أو ينبذ إليهم على سواء"؛ قال: فرجع معاوية بالناس.
وإذا مات الإمام الذي عقد الذمة أو الهدنة، وولى غيره - يجب على الثاني إمضاء-: ما فعل الأول، وإذا نقض أهل الذمة، أو أهل الهدنة العهد-: ارتفع عهدهم، وإذا نقض واحد من أهل الذمة العهد، أو بعضهم-: لا يكون نقضاً في حق الباقين.
أما أهل الهدنة؛ إذا نقض واحدٌ منهم أو بعضهم العهد، وعلمه الآخرون، فلم يخالفوهم بقول ولا فعل، ولم يرسلوا إلى الإمام، وآووهم، ومكثوا على ما هم فيه-: ينتقض العهد في حق جميعهم، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - وادع بني قريظة، فقصدوا جيش النبي - صلى الله عليه وسلم -فآواهم سيد بني قريظة وأعانهم بالسلاح، ولم يخالفه الآخرون، فجعل النبي -عليه السلام- ذلك نقضاً للعهد من الكل، فقتلهم، وسبى ذراريهم ونساءهم إلا ابني سعية: أسيداً، وثعلبة؛ فإنهما فارقاهم وأسلما.

الصفحة 526