كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 7)
باب الحكم بين المهادنين
قال الله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42].
إذا تحاكم إلينا ذميان مختلفا الملة-: يجب على حاكمنا أن يحكم بينهما؛ لأن كل واحد منهما لا يرضى بحكم حاكم صاحبه، كما لو تحاكم إلينا مسلم وذمي-: يجب الحكم بينهما، وإن كان الذميان متفقي الملة-: هل يجب الحكم بينهما؟ فيه قولان قد ذكرناهما في كتاب "النكاح".
وإن تحاكم إلينا معاهدان-: لا يجب أن نحكم بينهما؛ لأنهم لم يلتزموا أحكام الإسلام.
وقيل: فيه قولان؛ كالذميين.
فإن قلنا: يجب الحكم، أو قلنا لا يجب فاختارا الحكم-: يجب أن يُحكم بحكم الإسلام، لا باعتقادهم؛ لقول الله تعالى: {وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 49].
وإذا فعل الذمي ما هو جائز في دينهم غير جائز في دين الإسلام، مثل: شرب الخمر، وأكل الخنزير-: لا نتعرض لهم، إلا أن يظهروا ذلك: منعوا وعزروا، وإذا فعلوا ما حل في دين الإسلام، ولا يحل في دينهم، مثل: أكل الشحوم- لا يمنعون منه.
وكل عقد نقرهم عليه إذا أسلموا: فإذا ترافعوا إلينا-: نقرهم عليه، وما لا نقرهم عليه إذا أسلموا: فإذا ترافعوا إلينا-: نبطله وإذا سرق الذمي مال ذمي أو مسلم أو معاهد-: يُقطع كالمسلم؛ لأنه التزم أحكام الإسلام؛ وكذلك: إذا زنى، يُحد.
ثم إن قلنا: يجب على حاكمنا أن يحكم بينهم-: يُقام عليه القطع والحد جبراً.
وإن قلنا: لا يجب-: فلا يقام إلا برضاهم، سواء كان المسروق منه مسلماً أو ذمياً
الصفحة 528
536