كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (اسم الجزء: 7)

وَلَكِنِّي سَأَشْرَبُهَا شُمُولا ... وَأَسْجُدُ عِنْدَ مُنْبَلَجِ الصَّبَاحِ
وَاللَّهِ لا يَدْخُلُ عَلَيَّ وَهُوَ كَافِرٌ أَبَدًا، فَهَلْ بِالْبَابِ سِوَى مَنْ ذَكَرْتَ؟ قَالَ: نَعَمِ الأَحْوَصُ، قَالَ: أَلَيْسَ هُوَ الَّذِي يَقُولُ:
اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَ سَيِّدِهَا ... يَفِرُّ مِنِّي بِهَا وَأَتْبَعُهُ
فمن هاهنا أَيْضًا؟ قَالَ: جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالَ: يَا عَدِيُّ، هُوَ الَّذِي يَقُولُ:
أَلا لَيْتَنَا نَحْيَا جَمِيعًا وَإِنْ أَمُتْ ... يُوَافِقُ فِي الْمَوْتَى ضَرِيحِي ضَرِيحَهَا
فَمَا أَنَا فِي طُولِ الْحَيَاةِ بِرَاغِبٍ ... إِذَا قِيلَ قَدْ سُوِّيَ عَلَيْهَا صَفِيحُهَا
فَلَوْ كَانَ عَدُوُّ اللَّهِ تَمَنَّى لِقَاءَهَا فِي الدُّنْيَا لِيَعْمَلَ بَعْدَ ذَلِكَ صَالحًا، وَاللَّهِ لا يَدْخُلُ عَلَيَّ أَبَدًا، فَهَلْ سِوَى مَنْ ذَكَرْتَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ جَرِيرُ بْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: أَمَا أَنَّهُ الَّذِي يَقُولُ:
طَرَقَتْكَ صَائِدَةُ الْقُلُوبِ فَلَيْسَ ذَا ... حِينَ الزِّيَارَةِ فَارْجَعِي بِسَلامٍ
فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ فَهُوَ، قَالَ: فَأَذِنَ لِجَرِيرٍ، فَدَخَلَ وَهُوَ يَقُولُ:
إِنَّ الَّذِي بَعَثَ النَّبِيَّ مُحَمَّدًا ... جَعَلَ الْخِلافَةَ لِلإِمَامِ الْعَادِلِ
وَسِعَ الْخَلائِقَ عَدْلُهُ وَوَفَاؤُهُ ... حَتَّى ارْعَوَى فَأَقَامَ مَيْلَ الْمَائِلِ
إِنِّي لأَرْجُو مِنْكَ خَيْرًا عَاجِلا ... وَالنَّفْسُ مُولَعَةٌ بِحُبِّ الْعَاجِلِ
فَلَمَّا مَثُلَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ: وَيْحَكَ يَا جَرِيرُ، اتَّقِ اللَّهَ وَلا تَقُلْ إِلا حَقًّا، فَأَنْشَأَ جَرِيرٌ يَقُولُ [1] :
أَأَذكر الْجَهْدَ وَالْبَلْوَى الَّتِي نَزَلَتْ ... أَمْ قَدْ كَفَانِي بِمَا بَلَغْتُ مِنْ خَبَرِي
كَمْ بِالْيَمَامَةِ مِنْ شَعْثَاءَ أَرْمَلَةٍ ... وَمِنْ يَتِيمٍ ضَعِيفِ الصَّوْتِ وَالنَّظَرِ
مِمَّنْ يَعدكَ تَكْفِي فَقْدَ وَالِدِهِ ... كَالْفَرْخِ فِي الْعُشِّ لَمْ ينهض ولم يطر [2]
يدعوك دَعْوَةَ مَلْهُوفٍ كَأَنَّ بِهِ ... خَبَلا مِنَ الْجِنِّ أو مسا من البشر [3]
__________
[1] ديوانه 374.
[2] في ديوانه: «لم يدرج ولم يطر» .
[3] في ديوانه: «أو خيلا من النشر» .

الصفحة 37