كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (اسم الجزء: 7)

محمد بن طلحة بن عبيد الله وقربه في المنزلة، فلم يزل كذلك عنده [1] حتى خرج إلى عبد الملك بن مروان زائرا له، فخرج معادلا له لا يترك توشيحه وتعظيمه، فلما حضر باب عبد الملك حضر معه [2] ، فدخل على عبد الملك فلم يبدأ بشيء بعد التسليم أولى من أن قال: قدمت عليك يا أمير المؤمنين برجل الحجاز، لم أدع والله له فيها [3] نظيرا في كمال المروءة والأدب وحسن المذهب والطاعة والنصيحة مع القرابة ووجوب الحق وفضل الأبوة إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله وقد أحضرته بابك أسهل عليه أذنك، وتلقاه ببشرك، وتفعل به ما تفعل بمثله ممن كانت مذاهبه مثل مذاهبه. فقال عبد الملك: ذكرتنا حقا واجبا ورحما قريبة، يا غلام إئذن لإبراهيم بن محمد بن طلحة. فلما دخل قربه حتى أجلسه على فراشه ثم قال له: يا ابن طلحة، إن أبا محمد ذكرنا ما لم نزل نعرفك به في الفضل والأدب وحسن المذهب مع قرابة الرحم ووجوب الحق، فلا تدعن حاجة في خاص من أمرك ولا عام إلا ذكرتها، قال: يا أمير المؤمنين، إن أولى الأمور أن يفتتح به الحوائج وترجى به الزلف ما كان للَّه عز وجل رضى، ولحق نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أداء، ولك ولجماعة المسلمين نصيحة، وإن عندي نصيحة لا أجد بدا من ذكرها، ولا يكون البوح بها إلا وأنت خال، فأخلني حتى ترد عليك نصيحتي، قال: دون أبا محمد؟ قال: دون أبا محمد، قال: قم يا حجاج، فلما جاز حد الستر قال: قل يا أبا طلحة نصيحتك، قال: يا أمير المؤمنين، إنك عمدت إلى الحجاج في تغطرسه [4] وتعجرفه وبعده من الحق وركونه إلى الباطل فوليته الحرمين وبهما من بهما، وفيهما من فيهما من المهاجرين والأنصار والموالي والأخيار أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبناء الصحابة يسومهم الخسف، ويطؤهم بالعسف، ويحكم بينهم بغير السنة، ويطؤهم بطغام من أهل الشام، وزعازع لا روية لهم في إقامة حق ولا إزاحة باطل، ثم ظننت أن ذلك فيما بينك وبين الله راهق، وفيما بينك وبين رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جاثاك لخصومته إياك في أمته، أما والله لا تنجو هنالك إلا بحجة تضمن لك النجاة، فاربع على نفسك أودع. فقال: كذبت ومنت وظن بك الحجاج ما لم نجده عندك،
__________
[1] في ت: «فلم تزل تلك حاله عنده» .
[2] في الأصل: «حضرته معه» . وما أوردناه من ت.
[3] في ت الأصل: «لم أدع له والله فيها» . وما أوردناه من ت.
[4] في الأصل: «في تغترسه» . وما أوردناه من ت.

الصفحة 47