كتاب تاريخ بغداد وذيوله ط العلمية (اسم الجزء: 7)

أَخْبَرَنِي أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد الوكيل. أخبرنا عبيد الله بن عثمان الدّقّاق حدّثنا محمّد بن أحمد الحكيمي حدّثنا ميمون بن هارون الكاتب حدّثنا الحسن بن أَبِي المنذر. قَالَ: كَانَ أَبُو نواس يشرب عند عبيد بن المنذر، فبات ليلة، ثم قَالَ لا بد لِي من عمى [1] فقوموا بنا فأتيناها. ودخلنا حانة خمار قد كَانَ يعرفه، ومعه غلام قد كَانَ أفسده عَلَى أبويه وغيبه عنهما زمانا، ونحن فِي أطيب موضع، فذكرنا الجنة وطيبها، والمعاصي وما يحول عنه منها، وهو ساكت فَقَالَ:
يا ناظرا فِي الدين ما الأمر ... لا قدر صح ولا جبر
ما صح عندي من جميع الذي ... تذكره إِلا الموت والقبر
فامتعضنا من قوله، وأطلنا توبيخه، وأعلمناه أنا نتخوف صحبته، فَقَالَ: ويلكم والله إنى لأعلم بما تقولون، ولكن المجون يفرط عَلِيّ، وأرجو أن أتوب ويرحمني اللَّه، ثم قَالَ:
أية نار قدح القادح ... وأي جد بلغ المازح
لله در الشيب من واعظ ... وناصح لو حذر الناصح
يأبى الفتى إِلا اتباع الهوى ... ومنهج الحق لَهُ واضح
فاعمد بعينيك إِلَى نسوة ... مهورهن العمل الصالح
لا يجتلي العذراء من خدرها ... إِلا امرؤ ميزانه راجح
من اتقى اللَّه فذاك الذي ... سيق عليه المتجر الرابح
فاغد فما فِي الدين أغلوطة ... ورح بما أنت لَهُ رائح
ثم قَالَ: هذا عمل الشيطان ألقى أكثر هذا الكلام ليفسد نومكم، فلم نزل فِي أطيب موضع، فلما أردنا الانصراف. قَالَ: أمهلوا ثم أنشدنا:
يا رب مجلس فتيان لهوت به ... والليل مستحلس فِي ثوب ظلماء
نسف صافية من صدر خابية ... تعشى عيون نداماها بلألاء
قَالَ ميمون بن هَارُون قال لي إبراهيم بن المنذر قَالَ الجاحظ: لا أعرف من كلام الشعر كلاما هو أوقع ولا أحسن من كلام أَبِي نواس. أية نار قدح القادح. وأنشد هذا الشعر.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بن مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله المعدّل أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق حدّثنا
__________
[1] هكذا في الأصل.

الصفحة 454