كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 7)

للعرب. وفى رأينا أن فى ذلك إشارة واضحة إلى ماتم فعلا من امتزاج بين الأقباط والعرب، فإن كثيرين من القبط دخلوا فى الإسلام وكثيرين من العرب سكنوا القرى وزرعوا الأرض وامتزجوا بالقبط وأصبحوا يؤلفون أمة واحدة. وأول انتقاض يلقانا-للعرب-انتقاض دحية حفيد عبد العزيز بن مروان بالصعيد لسنة 165 وكان قد تولى موسى بن مصعب الموصلى فشدد فى استخراج أموال الخراج وضاعف ما يطلب من كل فدان وجعل خراجا على الأسواق والدواب وارتشى فى الأحكام فتارت عليه قيس واليمانية، وانتهى أمره بقتله. وقضى سريعا على ثورة دحية سنة 169. ونظل نسمع عن انتقاضات فى الحوف الشرقى، ويستغل الفرصة الجروى فى تنّيس وبنو السّرىّ الذين استولوا حينا على مقاليد الأمور، مما اضطر المأمون أن يسند إليهم الولاية على مصر من حين إلى حين. وتحدث فى هذه الأثناء ثورة الفقهاء فى قرطبة على الحكم الربضى الأمير الأموى ويأمرهم بمغادرة البلاد، فينزلون الإسكندرية ويستولون عليها. ويرسل المأمون قائده عبد الله بن طاهر، فيعيد الأمن إلى مصر لسنة 210 ويخرج منها الأندلسيين إلى جزيرة كريت ويستولون عليها. ويعود ابن طاهر فى سنة 212 وينتقض أهل الحوف مرارا، ويثور القبط، ويضطر المأمون إلى القدوم بعسكره إلى مصر سنة 217 فيقضى على ما بها من فتن. ويأمر واليه على مصر فى سنة 218 أن يأخذ الناس بمحنة خلق القران المشهورة. ويتولى بعد المأمون أخوه المعتصم فى نفس السنة المذكورة ويأمر بإسقاط العرب من الدواوين بمصر وغير مصر، ومنذ هذا التاريخ يندمجون نهائيا فى أهل مصر من القبط ومن أسلم منهم. ويغزو الروم دمياط سنة 238 وسرعان ما يرحلون عنها إلى غير رجعة.
وربما كان أهم ما خلفه زمن الولاة أيام الدولة العباسية كثرة العناصر الفارسية التى دخلت مصر، فقد كان الجيش الذى تعقب مروان بن محمد، وبنى له «العسكر»، أكثره إن لم يكن كله من الفرس، وظلت الجنود التى ترسل مع بعض الولاة أو للقضاء على بعض الانتقاضات والفتن فارسية فى جملتها، وكان كثير ممن يسند إليهم الولاية بمصر فرسا، وبالمثل من كان يسند إليهم القضاء. وكل ذلك معناه أن العناصر الفارسية تكاثرت بمصر فى زمن العباسيين، وكان لهم أسلاف قدماء جاءوا مع اليمنيين فى فتح مصر، إذ كانت اليمن فى الجاهلية تابعة حينا للفرس فكان بها عناصر فارسية، وقد دخلت فى الإسلام وشاركت اليمنيين فى رحلاتهم للفتوح. وبذلك كله نستطيع أن نفسر وجود نفر غير قليل يرجعون إلى أصول فارسية بين علماء مصر وفقهائها مثل الليث ابن سعد الفقيه المشهور وكذلك بين كتابها فى الدواوين.

الصفحة 17