كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 7)

وأدركهم الغرق فأيسوا (¬1) من الخلاص (فغشيهم من اليمّ ما غشيهم) (ولات حين مناص (¬2)) و (خرّ عليهم السّقف من فوقهم) فهدّت قواهم، واستغاثوا من كثرة الماء بالذين آمنوا وعملوا الصالحات (وقليل ما هم) قلت: فالروضة؟ قال: أحاط بها إحاطة الكمام (¬3) بزهره، والكأس بحباب (¬4) خمره:
فكأنها فيه بساط أخضر … وكأنه فيها طراز مذهب (¬5)
فلم يكن لها بدفع أصابعه يدان، وكم أنشد مرجها حين (مرج (¬6) البحرين يلتقيان):
أعينىّ كفّا عن فؤادى فإنه … من البغى سعى اثنين فى قتل واحد (¬7)
قلت: فدار (¬8) النّحاس؟ قال: أنحس حالها، وأفسد ما عليها ومالها، فدخل من حمّامها الطّهر، وقطع الطريق بالجامع الظّهر، فألحق مجاز بابه بالحقيقة، ورقى منه على درجتين فى دقيقة. . قلت فجزيرة أروى؟ قال: قد أفسد جلّ ثمارها، وأتى على مغانيها (¬9) فلم يدع شيئا من رديّها وخيارها، أخلق ديباجة روضها الأنف (¬10)، وترك قلقاسها فى الجروف (¬11) على شفا جرف (¬12):
بعينى رأيت الماء يوما وقد جرى … على رأسه من شاهق فتكسّرا
طالما تضرّع بأصابعه إلى ربّه، ولطم برءوسه الحيطان مما جرى من الماء على قلبه، وتمثّل بقول الأول:
وإن سألوك عن قلبى وما قاسى … فقل قاسى وقل قاسى وقل قاسى
لم يفده تحصّنه من ورقه بالدّرق (¬13) والستائر، ولا حنّ عليه حين تضرّع بأصابعه فصحّ أن
¬_________
(¬1) أيسوا: يئسوا
(¬2) مناص: ملجأ ومفرّ
(¬3) الكمام: جمع كم بكسر الكاف: غلاف الزهرة قبل أن تتفتح
(¬4) الحباب: الفقاقيع على وجه الكأس
(¬5) جعل لون النيل مذهبا إشارة إلى ما كان يصحبه فى فيضانه من الطمى
(¬6) مرج البحرين: أرسلهما فى مجرييهما متجاوزين
(¬7) يشير إلى أن البحرين يأخذان بخناق جزيرة الروضة حتى تكاد تلفظ أنفاسها
(¬8) تسمى الآن دير النحاس وهى أمام النيل بمصر القديمة
(¬9) مغانيها: منازلها.
(¬10) الأنف: الجديد
(¬11) الجروف: شقوق المحراث ومجاريه
(¬12) شفا جرف: شفا: حرف: جرف: المكان يجرفه الماء
(¬13) الدرق: جمع درقة: الترس

الصفحة 449