كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 7)
واسع-على مرّ الزمن-لمن يسعون في مناكبها. ودائما كان بها-في العهود الإسلامية-ثلاث طبقات: عليا، ووسطى، ودنيا، وفي الطبقة العليا الوالى وصاحب الخراج، والقاضى، وقواد الجند، وكبار الإقطاعيين، وكبار التجار ومعهم الأشراف من البيتين العباسى والعلوى. وفي الطبقة الوسطى العلماء والجند وأوساط الزراع والصناع والتجار، وفي الطبقة الدنيا أهل الريف وعامة الصناع والتجار والرقيق من أواسط إفريقيا ومن أرمينية وشعوب البحر المتوسط. وترك الحكام للكنيسة وكبار الإقطاعيين من القبط ما لهم من الأرض وحقولها نظير الخراج، وأدّى المقتدرون من القبط الجزية، وهى في حقيقتها ضريبة دفاع، إذ لم يكونوا يشتركون في الحرب وحماية وطنهم. وكانت الزراعة تدرّ كثيرا من طيبات الرزق، وكانت الصناعة رائجة: صناعة الورق والنسيج واستخراج بعض المعادن كالنطرون. وتلقى مصر بكنوزها في حجر أحمد بن طولون فيبنى قصره العظيم، وجامعه الكبير وبيمارستانا ضخما، ويغرق ابنه خمارويه في ترف بالغ. وتنعم الدولة الإخشيدية بثراء مصر، ويتضخم في عهد الفاطميين، ويكثرون من القصور والبذخ والترف وأدواته، ويتسعون في الاحتفال بالأعياد الإسلامية، وأعياد القبط والفرس. وأصبحت مصر في عهد صلاح الدين وخلفائه الأيوبيين ثكنة حربية تعدّ لضرب حملة الصليب الضربات القاضية، ومع ذلك اتسعت مصر في العمران وبناء المدارس الكثيرة والخانقاهات. ويخلفهم المماليك، وتعيش مصر طوال زمنهم في رغد من العيش، وتزدهر بها الحياة والعمران ازدهارا واسعا وكانت قد أصبحت ملاذا لعلماء العالم العربى النازحين من وجه النورمان والإسبان غربا ومن وجه المغول شرقا. وتدور بها الدوائر فيحتلّها العثمانيون، ويزايلها غير قليل من الرخاء ومن منزلتها الكبرى في العالم العربى.
وتحدثت عقب ذلك عن الدعوة الفاطمية الإسماعيلية الشيعية المتطرفة ومبادئها وتمسّك المصريين بعقيدتهم السنية وكأنما كانت تلك الدعوة بمصر صيحات ذهبت أدراج الرياح وبالمثل تحدثت عن الزهد وكيف أن مصر عرفت الضربين من التصوف الفلسفي والتصوف السنى مع بيان أهم طرقه وأعلامه وخانقاهاته.
ومعروف ما لمصر من دور عظيم في نشأة الحضارة الإنسانية ونشأة العلم بمعناه العالمى وظلت ترعاه طويلا. وكانت قد خمدت جذوته قبيل نزول الإسلام بها، وعاد إليها الاتقاد تدريجا بحيث لا نصل إلى أواسط القرن الثانى الهجرى حتى يصبح لعلمائها حظ واضح من المساهمة في الدراسات الدينية ونشرها في العالم العربى، فهى
الصفحة 7
501