كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 7)
تنشر قراءة ورش، ومذهب مالك في بلاد المغرب والأندلس، وتنشر مذهب الشافعى في الشام وبغداد وخراسان. وسرعان ما تكتب تاريخ الفتوح لإفريقيا والأندلس لأول مرة، وتكتب رواية للسيرة النبوية الزكية، تصبح إماما لكتب السيرة الشريفة، ويضع أحد أبنائها وهو ذو النون أسس التصوف الإسلامى. وتزداد حركتها العلمية نشاطا في عهد الفاطميين ويؤسّسون بها جامعة سموها دار العلم، ألحقوا بها مكتبة ضخمة. وتأخذ الحركة العلمية بمصر في ازدهار واسع لعهد الأيوبيين وما أسسوا بها من عشرات المدارس، ويزداد عددها في عهد المماليك ازديادا مفرطا حتى ليقول ابن بطوطة حين زار مصر لأيامهم إن أحدا لا يستطيع أن يحيط بها لكثرتها. ولم تكن المدارس وحدها دور العلم فقد كانت تشاركها في ذلك المساجد والجوامع مثل الجامع الأزهر. ومع خمود تلك الحركة العلمية في عهد العثمانيين ظلت مصر حامية للتراث العربى، وموئلا لعلماء المغرب والمشرق، وظلت تضيئ في جامعة الأزهر مصابيح العلم والعرفان.
وعرضت نهضة العلوم المختلفة بمصر عرضا تفصيليا تاريخيا على مر الأزمنة، وبدأت بعلوم الأوائل، وألممت بما كان لمصر فيها من نشاط قبل الفتح العربى سواء في الهندسة أو الرياضة أو الفلك أو الطب أو الكيمياء أو الفلسفة. وانتفعت مصر الإسلامية بما كان فيها من هذا التراث، وضمّت إليه ما نقل ببغداد من الفلسفة وعلوم الأوائل عن اليونانية وغير اليونانية. وقد تحدثت عن النشاط العلمى والفلسفي لمصر منذ أيام الفاطميين وأعلامه على مر الحقب، وتحدثت عن جغرافييها منذ ابن سليم مكتشف المجرى الأعلى للنيل في أواسط القرن الرابع الهجرى.
وبالمثل تحدثت عن النشاط في علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد وأعلام مصر فيها جميعا على مر التاريخ ومع كل علم مصنفاته القيمة. وأيضا عرضت علوم القراءات والتفسير والحديث النبوى والمذاهب الفقهية وعلم الكلام والتاريخ وعلماءها جميعا على تعاقب الحقب، وما لهم من مصنفات بالغة القيمة، وذكرت في كل علم من العلوم الدينية واللغوية وعلوم الأوائل من نبغوا فيه أيام العثمانيين. وبذلك أصبح التاريخ العلمى لمصر وعلمائها الأفذاذ في كل علم وفن مرسوما رسما بيّنا دقيقا منذ القرن الثانى الهجرى حتى العصر الحديث.
وقد أخذت مصر-بعد الفتح العربى-تتعرّب سريعا لاعتناق كثير من سكانها القبط الإسلام لما استقرّ في نفوسهم من أن من يسلم منهم يصبح له جميع حقوق
الصفحة 8
501