كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)

صفحة رقم 10
دليلها هي سر الوجود ، فهي أشرف مما أريد من الآية الماضية بمهد الأرض وسلك السبل : ( والذي نزل ) أي بحسب التدريج ، ولولا قدرته الباهرة لكان دفعة واحدة أو قريباً منها ) من السماء ) أي المحل العالي ) ماء ( عذباً لزروعكم وثماركم وشربكم بأنفسكم وأنعامكم ) بقدر ( وهو بحيث ينفع الناس ولا يضر بأن يكون على مقدار حاجاتهم ، ودل على عظمة الإنبات بلفت القول إلى مظهر العظمة تنبيهاً على أنه الدليل الظاهر على ما وصل به من نشر الأموات فقال مسبباً عن ذلك : ( فأنشرنا ) أي أحيينا ، والمادة تدور على الحركة والامتداد والانبساط ) به ) أي الماء ) بلدة ) أي مكاناً يجتمع الناس فيه للإقامة معتنون بإحيائه متعاونون على دوام إبقائه ) ميتاً ) أي كان قد يبس نباته وعجز أهله عن إيصال الماء إليه ليحى به ، ولعله أنت البلد وذكر الميت إشارة إلى أن بلوغها في العضف والموت بلغ الغاية بضعف أرضه في نفسها وضعف أهله عن إحيائه وقحط الزمان واضمحلال ما كان به من النبات .
ولما كان لا فرق بين جمع الماء للنبات من أعماق الأرض بعد أن كان تراباً من جملة ترابها وإخراجه كما كان رابياً يهتز بالحياة على هيئته وألوانه وما كان من تفاريعه أغصانه بأمر الله وبين جميع الله تعلى لما تفتت من أجساد الآدميين وإخراجه كما كان بروحه وجميع جواهره وأعراضه إلا أن الله قادر بكل اعتبار وفي كل وقت بلا شرط أصلاً ، والماء لا قدرة له إلا بتقدير الله تعالى ، كان فخراً عظيماً لأنتنتهز الفرصة لتقدير ما هم له منكرون وبه يكفرون من أمر البعث ، فقال تعالى إيقاظاً لهم من رقدتهم بعثاً من موت سكرتهم : ( كذلك ) أي مثل هذا الخراج العظيم لما تشاهدونه من النبات ) تخرجون ( من الموت الحسي والمعنوي بأيسر أمر من أمره تعالى وأسهل شأن فتخرجون في زمرة الأموات من الأرض ثانياً
77 ( ) فإذا أنتم بشر تنتشرون ( ) 7
[ الروم : 20 ] وتخرجون من ظلمة الجهل إلى نور الإيمان فإذا أنتم حكماء عالمون .
ولما انتهزت هذه الفرصة ، وسوغ ذكرها ما أثره سوء اعتقادهم من عظيم الغصة ، شرع في إكمال ما يقتضيه الحال من الأوصاف ، فقال عائداً إلى أسلوب العزة والعلم للإيمان إلى الحث على تأمل الدليل على بعث الأموات بانتشار الموات معيداً للعاطف تنبيهاً على كمال ذلك الوصف الموجف التحقيق مقصود السورة من القدرة على ردهم بعد صدهم : ( والذي خلق الأزواج ) أي الأصناف المتشاكلة التي لا يكمل شيء منها غاية الكمال إلا بالآخر على ما دبره سبحانه في نظم هذا الوجود ) كلها ( من النبات والحيوان ، وغير ذلك من سائر الأكوان ، لم يشاركه في شيء منها أحد .

الصفحة 10