كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)

صفحة رقم 19
ولما كان الجواب قطعاً عن هذين الاستفهامين : ليس لهم ذلك على مطلق ما قالوا ولا مقيده من صريح عقل ولا صحيح نقل إلى من يصح النقل عنه من أهل العلم بالأخبار الإلهية ، نسق عليه قوله إرشاداً إليه : ( بل قالوا ) أي في جوابهم عن قول ذلك واعتقاده مؤكدين إظهاراً جهلاً أو تجاهلاً لأن ذلك لم يعب عليهم إلا لظن أنه لا سلف لهم أصلا فيه ، فإذا ثبت أنه عمن تقدمهم انفصل النزاع : ( إنا وجنا آباءنا ) أي وهم أرجح منا عقولاً وأصبح أفهاماً ) على أمة ) أي طريقة عظيمة يحق لها أن تقصد وتؤم مثل رحلة بمعنى شيء هو أهل لأن يرحل إليه ، وكذا قدوة ونحوه .
وقراءة الكسر معناها حالة حسنة يحق لها أن تؤم ) وإنا على آثارهم ) أي خاصة لا على غيرها ونحن في غاية الاجتهاد والقص للآثار وإن لم نجد عيناً نتحققها .
ولماعلم ذلك من حالهم ، ولم يكن صريحاً في الدلالة على الهداية ، بينوا الجار والمجرور ، وأخبروا بعد الإخبار واستنتجوا منه قولهم استئنافاً لجواب من سأل : ( مهتدون ) أي نحن ، فإذا ثبت بهذا الكلام المؤكد أنا ما أتينا بشيء من عند أنفسنا ولا غلطنا في الاتباع واقتفاء الآثار ، فلا اعتراض علينا بوجه ، هذا قوله في الدين بل في أصوله التي من ضل في شيء منها هلك ، ولو ظهر ألأحد منهم خلل في سعي أبيه الدنيوي الذي به يحصل الدينار والدرهم ما اقتدى به أصلاً وخالفه أي مخالفة ، ما هذا إلا لمحض الهوى وقصور النظر ، وجعل محطه الأمر الدنيوي الحاضر ، لا نفوذ لهم في المعاني بوجه .
ولما كان ترك المدعو للدليل واتباعه للهوى غائظاً موجعاً ومنكئاً مولماً ، قال يسليه ( صلى الله عليه وسلم ) عاطفاً على قوله : ( وكذلك ) أي ومثل هذا الفعل المتناهي في البشاعة فعلت الأمم الماضية مع إخوانك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ؛ ثم فسر ذلك بقوله : ( ما أرسلنا ( مع ما لنا من العظمة .
ولما كانت مقالة قريش قد تقدمت والمراد التسلية بغيرهم ، وكان ( صلى الله عليه وسلم ) خاتم النبيين فلا أمة لغيره في زمانه ولا بعده يسليه بها ، سلاه بمن مضى ، وقدم ذكر القبلية اهتماماً بالتسلية وتخليصاً لها من أن يتوهم أنه يكون معه في زمانه أو بعده نذير ، وإفهاماً لأن المجد لشريعته إنما يكون مغيثاً لأمته وبشيراً لا نذير لثباتهم على الدين بتصديقهم جميع النبيين فقال تعالى : ( من قبلك ) أي في الأزمنة السالفة حتى القريبة منك جداً ، فإن التسلية بالأقرب أعظم ، وأثبت الجار لأن الإرسال بالفعل لم يعم جميع الأزمنة وأسقط هذه القبلية في ( سبأ ) لأن المراد فيها التعميم لأنه لم يتقدم لقريش ذكر حتى يخص من قبلهم .
ولما كان أهل القرى أقرب إلى العقل وأولى بالحكمة والحكم ، قال :

الصفحة 19