كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)
صفحة رقم 25
إلى أنها تأبى المشاركة في شيء وتقتضي التفرد : ( نحن قسمنا ) أي بما من العظمة ) بينهم ) أي في الأمر الذي يعمهم ويوجب تخصيص كل منهم بما لديهم ) معيشتهم ( التي يعدونه رحمة ويقصرون عليها النعمة ) في الحياة الدنيا ( التي هي أدنى الأشياء عندنا ، وإشار إلى أنها حياة ناقصة لا يرضاها عاقل ، وأما الآخرة فعبر عنها بالحيوان لأنا لو تركنا قسمها إليهم لتعاونوا على ذلك فلم يبق منهم أحد فكيف يدخل في الوهم أن يجعل إليهم شيئاً من الكلام في أمر النبوة التي هي روح الوجود ، وبها سعادة الدارين : ( ورفعنا ( بما لنا من نفوذ الأمر ) بعضهم ( وإن كان ضعيف البدن قليل العقل ) فوق بعض ( وإن كان قوياً عزيز العقل ) درجات ( في الجاه والمال ونفوذ الأمر وعظم القدر لينتظر حال الوجود ، فإنه لا بد في انتظامه من تشارك الموجودين وتعاونهم ، تفاوتنا بينهم في الجثث والقوى والهمم ليقتسموا الصنائع ، والمعارف والبضائع ، ويكون كل ميسر لما خلق له ، وجانحاً إلى ما هي له لتعاطيه ، فلم يقدر أحد من دنيء أو غني أن يعدو قدره وترتقي فوق منزلته .
ولما ذكر ذلك ، علله بما ثمرته عمارة الأرض فقال : ( ليتخذ ) أي بغاية جهده ) بعضهم بعضاً ( ولما كان المراد هنا الاستخدام دون الهزء لأنه لا يليق التعليل به ، أجمع القراء على ضم هذا الحرف هنا فقال : ( سخرياً ) أي أن يستعمله فيما ينوبه أو يتعسر أو يتعذر عليه مباشرته ويأخذ للأآخر منه من المال ما هو مفتقر إليه ، فهذا بماله ، وهذا بأعماله ، وقد يكون الفقير أكمل من الغني ليكمل بذلك نظام العالم لأنه لو تساوت المقادير لتعطلت المعايش ، فلم يقدر أحد أن ينفك عما جعلناه إليه من هذا الأمر الدنيء فكيف يطمعون في الاعتراض في أمر النبوة ، أيتصور عاقل أن يتولى قسم الناقص ونكل العالي إلى غيرنا ، قال ابن الجوزي : فإذا كانت الأرزاق بقدر الله لا بحول المحتال وهي دون النبوة فكيف تكون النبوة - انتهى .
وهذا هو المراد بقوله تعالى صارفاً القول عن مظهر العظمة والسلطان إلى الوصف بالإحسان إظهاراً لشرف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ورحمة ربك ) أي المربي لك ولمدبر لأمرك بإرسالك وإنارة الوجود برسالتك التي هي لعظمتها جديرة بأن تضاف إليه ولا يسمى غيرك رحمة ) خير مما يجمعون ( من الحطام الفاني فإنه وإن تأتي فيه خير باستعماله في وجوه البر بشرطه ، فهذا بالنسبة إلى النبوة ، وما قارنا مما دعا إلى الإعراض عن الدنيا متلاش .
الزخرف : ( 33 - 39 ) ولولا أن يكون. .. . .
) وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ