كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)
صفحة رقم 28
بملك فهو له معين ، عطف عليه قوله معبراً عن غفلة البصيرة بالعشا الذي هو ضعف البصر تصوراً لم نينسى ذكر الله بأقبح صورة تنفيراً عن ذلك ) من يعش ) أي يفعل فعل المعاشي ، وهو من شاء بصره بالليل والنهار أو عمي على قراءة شاذه وردت عن يعقوب بفتح الشين وركب الأمور متجاوزاً ) عن ذكر الرحمن ( الذي عمت رحمته ، فلا رحمة على أحد إلا وهي منه كما فعل هؤلاء حين متعناهم وآباءهم حيث أبطرهم ذلك ، وهو شيء يسير جداً ، فأعرضوا عن الآية والدلائل فلم ينظروا فيها إلا نظراً ضعيفاً كنظر من عشي بصره ) نقيض ) أي نقرر ونسلط ونقدر عقاباً ) له ( على إعراضه عن ذكر الله ) شيطاناً ) أي شخصاً نارياً بعيداً من الرحمة يكون غالباً محيطاً به مضيقاً عليه مثل قيض البيضة وهو القشر الداخل ) فهو له قرين ( مشدود به كما يشد الأسير ، ملازم فلا يمكنه التخلص منه ما دام متعامياً عن ذكر الله ، فهو يزين له العمى ويخيل إليه أنه على عين الهدى ، كما أن من يستبصر بذكر الرحمن يسخر له ملك فهو له ولي يبشره بكل خير ، فذكر الله حصن حصين من الشطيان ، متى خرج العبد منه أسره العدو كما ورد في الحديث ، قال في القاموس : العشى مقصور : سوء البصر بالليل والنهار أو العمى ، عشى كرضى ودعا ، والعشوة بالضم والكسر : ركوب الأمر على غير بيان ، قال ابن جرير : وأصل العشو النظر بغير ثبت لعلة في العين ، وقال الرازي في اللوامع : وأصل اللغة أن العين والشين والحرف المعتل يدل على ظلام وقلة وضوح في الشيء .
ولما كانت ) من ( عامة ، وكان القرين للجنس ، وأفرده لأنه نص على كل فرد ، فكان التقدير : فإنهم ليحملونهم على أنواع الدنايا ويفتحون لهم أبواب الرذائل والبلايا ، ويحسنون لهم ارتكاب القبائح والرزايا ، عطف عليه قوله مؤكداً لما في أنفس الأغلب .
كما أشار إليه آخر الآية - أن الموسع عليه هو المهتدي .
جامعاً دلالة على كثرة الضال : ( وإنهم ) أي القرناء ) ليصدونهم ) أي العاشين ) عن السبيل ) أي الطريق الذي من حاد عنه هلك ، لأنه لا طريق في الحقيقة سواه .
ولما كانت الحيدة عن السبيل إلى غير سبيل ، بل إلى معاطب لا يهتدي فيها دليل ، عجباً ، أتبعه عجباً آخر فقال : ( ويحسبون ) أي العاشون مع سيرهم في المهالك لتزيين القرناء بإحضار الحظوظ والشهوات وإبعاد المواعظ : ( أنهم مهتدون ) أي عريقون في هذا الوصف لما يستدرجون به من التوسعة عليهم والتضييق على الذاكرين .