كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)

صفحة رقم 29
ولما كان من ضل عن الطريق ، ومن ظن أنه على صواب لا يكاد يتمادى بل ينجلي له الحال عن قرب ضم إلى العجبين الماضيين عجباً ثالثاً بياناً له على ما تقديره : ونملي لهذا العاشي استدراجاً له وابتلاء لغيره ونمد ذلك طول حياته ) حتى ( وحقق الخبر بقوله : ( إذا ( ولما علم من الجمع فيما قيل أن المراد الجنس ، وكان التوحيد أدل دليل على تناول كل فرد ، فكان التعبير به أهول ، وكان السياق دالاً على من الضمير له قال : ( جاءنا ) أي العاشي ، ومن قرأ بالتثنية أراد العاشي والقرين ) قال ) أي العاشي تندماً وتحسراً لا انتفاع له به لفوات محله وهو دار العمل : ( يا ليت بيني وبينك ( أيها القرين ) بعد المشرقين ) أي ما بين المشرق والمغرب على التغليب - قاله ابن جرير وغيره ، أو مشرق الشتاء والصيف أي بعد أحدهما عن الآخر ؛ ثم سبب عن هذا التمني قوله جامعاً له أنواع المذام : ( فبئس القرين ) أي إني علمت أنك الذي أضلني وأوصلني غلى هذا العيش الضنك والمحل الدحض وأحسست في هذا الوقت بذلك الذي كنت تؤذيني به أنه أذى بالغ ، فكنت كالذي يحك جسمه لما به من قروح متأكلة حتى يخرج منه الدم فهو في أوله يجد له لذة بما هو مؤلم له في نفسه غاية الإيلام .
ولما كان الإيلام قد يؤذي الجسد ، وكان التقدير حتماً بما هدى إليه السياق فيقال لهم : فلن ينفعكم ذلك اليوم يوم جئتمونا إذ تمنيتهم هذا التمني حين عاينتم تلك الأهوال اشتراككم اليوم في يوم الدنيا في الظلم وتمالؤكم عليه منافرة بعضكم لبعض ، عطف عليه قوله : ( ولن ينفعكم اليوم ) أي في الدنيا شيئاً من نفع أصلاً ) إذ ( حين ) ظلمتم ( حال كونكم مشتركين في الظلم متعاونين عليه متناصرين فيه ، واحد منكم يقول لصاحبه سروراً به وتقرباً إليه وتودداً : يا ليت أنا لا نفترق أبدالً فنعم القرين أنت ، فيقال لهم توبيخاً : ( أنكم في العذاب ) أي العظيم ، وقدمه اهتماماً بالزجر به والتخويف منه ) مشتركون ) أي اشتراككم فيه دائماً ظلمكم أنفسكم ظلماً باطناً بأمور أخفاها الطبع على القلوب وهو موجب للارتباك في أشراك المعاصي الموصلة إلى العذاب الظاهر يوم التمني ويوم القيامة عذاباً ظاهراً محسوساً ، وذلك كمن يجرح جراحة بالغة وهو مغمي عليه فهو معذب بها قطعاً ، ولكنه لا يحس إلا إذا أفاق فهو كما تقول أناس يريدون أن يتمالؤوا على قتل نفس محرمة : لن ينفعكم اليوم إذا تتعاونون على قتله اشتراككم غداً في الهلاك بالسجن الضيق والضرب المتلف وضرب الأعناق ، مرادك بذلك زجرهم عن ظلمهم بتذكيرهم بأنهم يصلون إلى هذا الحال ويزول ما هم فيه من المناصرة فلا ينفعهم شيء منها - والله الموفق ، فالآية من الحتباك ، وبه زال عنها ما كان من إعراب المعربين لها موجباً للرتباك ( فيا ليت ) - إلى آخره ، دال على تقدير ضده ثانياً ( ولن ينفعكم ) - إلى آخره ، دال على تقدير مثله أولاً .

الصفحة 29