كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)

صفحة رقم 32
) وسوف تسألون ) أي تصيرون في سائر أنواع العلم محط رحال السائلين دنياً ودنيا بحيث يسألكم جميع أهل الأرض من أهل الكتاب ومن غيرهم عما يهمهم من أمر دينهم ودنياهم لما يعتقدون من أنه لا يوازيكم أحد في العلم بعد أن كنتم عندهم أحقر الأمم ضعفاً وجهلاً كما وقع لبني إسرائيل حيث رفعهم الله ، وكان ذلك أبعد الأشياء عند فرعون وآله ، ولذلك كانوا يتضاحكون استهزاء بتلك الآيات وينسبون الآتي بها إلى ما لا يليق بمنصبه العالي من المحالات ، وتسأولن عن حقه وأداء شكره وكيف كنتم في العمل به والاستجابة له ، وهذا بوعد صادق لا خلف فيه أصلاً .
ولما أبطل سبحانه إلهية غيره التي أجى إليها الجهل ، واستمر إلى أن ختم بالعلم الموجب لمعرفة الحق ، فكان التقدير إبطالاً لشبهتهم الوهمية القائلة ) لو شاء الرحمن ما عبدناهم ( : فاستحضر جميع ما اوحى إليك وتأمله غاية التأمل ، هل ترى فيه خفاء في الإلهية لشيء دون الله ، عطف عليه قوله نفياً لدليل سمعي كما أشير إليه بقوله ) أم آتيناهم كتاباً ( ) واسأل من أرسلنا ) أي على ما لنا من العظمة .
ولما كان الممكن تعرفه من آثار الرسل إنما هو لموسى وعيسى ومن بينهما من أنبياء بني إسرائيل عليهم الصلاة والسلام الحافظ لسنتهم من التوراة والإنجيل والزبور وسفر الأنبياء ، قال مثبتاً للجار المفهم لبعض الزمان : ( من قبلك ( ولما كان أتباعهم قد غيروا وبدلوا فلم تكن بهم ثقة ، عبر بالرسل فقال : ( من رسلنا ) أي بقراءة أتباعهم لكتبهم التي حرفوا بعضها ، وجعلت كتابك مهيمنا عليها فإنهم إذا قرؤوها بين يديك وعرضوها عليك علمت معانيها وفضحت تحريفهم وببنت اتفاق الكتب كلها برد ما ألبس عليهم من متشاببها إلى محكمها ، فالمراد من هذا نحو المراد من آية يونس
77 ( ) فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك ( ) 7
[ رقم : 94 ] ومن آي الأنبياء
77 ( ) هذا ذكر من معي وذكر من قبلي ( ) 7
[ رقم : 24 ] مع زيادة الإشارة إلى تحريفهم ، فالمسؤول في الحقيقة القرآن المعجز على لسان الرسول الذي شهدت له جميع الرسل الذين أخذ عليهم العهد بالإيمان به والمتابعة له ، وبهذا التقرير ظهر ضعف قول من قال : إن المراد سؤال الرسل حقيقة لما جمعوا له ( صلى الله عليه وسلم ) في بيت المقدس ليلة الإسراء ، فإنه ليس المراد من هذا إلا تبكيت الكفار من العرب وممن عزهم من أهل الكتاب بقولهم : دينكم خير من دينه وأنتم أهدى سبيلاً منه ، فإنهم إذا أحضروا كتبهم علمت دلالتها القطعية على اختصاصه سبحانه بالعبادة كما بينته في كتابي هذا يرد المتشابه منها إلى المحكم ، وجعلها ابن جرير مثل قوله تعالى
77 ( ) فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ( ) 7
[ النساء : 59 ] وقالك ومعلوم أن معنى

الصفحة 32