كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)
صفحة رقم 35
معلم بأنا قادرون على ما نريد منه فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ) آيات مفصلات ( والقطع : البرد الكبار الذي لم يعهد مثله ملتهباً بالنار ، وموت الأبكار ، فكانت آيات على صدق موسى عليه الصلاة والسالم بما لها من الإعجاز ، وعذاباً لهم في الدنيا موصولاً بعذاب الآخرة ، فيا لها من قدرة باهرة وحكمة ظاهرة ) لعلهم يرجعون ) أي ليكون حالهم عند ناظرهم الجاهل بالعواقب حال من يرجى رجوعه .
ولما كان فرعون في كثير من الضربات التي كان يضربه بها سبحانه - كما مضى في الأعراف عن التوراة - يقول لموسى عليه الصلاة والسلام : قد أخطأت والرب بار وأنا وشعبي فجار ، فصلينا بين يدي الرب فإنه ذو إمهال وأناة ، فيصرف عني كذا ، فإذا صرف الله ذلك عنهم عاد على ما كان عليه من الفجور ، كان فعله ذلك فعل من لا يعتقد أنه موسى عليه الصلاة والسلام نبي حقيقة ، بل يعتقد أنه ساحر ، وأن أفعاله إنما هي خيال ، فكذلك عبر عن هذا المعنى بقوله عطفاً على ما تقديره ، فلم يرجعوا : ( وقالوا ) أي فرعون بالمباشرة وأتباعه بالموافقة له : ( يا أيها الساحر ( فنادوه بأداة البعد مع الإفهام بقالوا دون ( نادوا ) أنه حاضر إشارة إلى بعده من قلوبهم ، والتعبير بهذا توبيخ لقريش بالإشارة إلى أنهم وغيرهم ممن مضى يرمون الرسول بالسحر ويقرون برسالته عند الحاجة إلى دعائه في كشف ما عذبهم ربهم به ، وذلك قادح فيما يدعون من الثبات والشجاعة والعقل والإنصاف والشهامة ، وذلك كما وقع لقريش لما قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( اللهم أعني عليهم بسنين كسني يوسف ) فقحطوا ، فلما اشتد عليهم البلاء أتى أبو سفيان بن حرب إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالمدينة الشريفة فقال : يا محمد إنك قد جئت بصلة الأرحام وإن قومك قد هلكوا فادع اللهلهم ، فدعا لهم فأغيثوا ، فلا شك أن ترجمة حالهم هذا الذي ذكره الله من التناقض الذي لا يضاه لنفسه عاقل ، وهو وصفه بالسحر وطلب الدعاء منه يمنع اعتقاد أنه ساحر ، واعتقاد أنه ساحر يمنع طلب الدعاء منه عند العاقل ) ادع لنا ربك ) أي المحسن إليك بما يفعل معك من هذه الأفعال التي نهيتنا بها إكراماً لك ) بما ) أي بسبب ما ) عهد عندك ( من أنه يفعل من وضعها ورفعها على ما تريد على ما أخبرتنا أنه إن آمنا أكرمنا ، وغن تمادينا أهاننا ، ثم عللوا ذلك بقولهم مؤكداً تقريباً لحالهم البعيدة من الاعتداء بما يخبر به شاهد الوجود : ( إننا لمهتدون ) أي اهتداء ثابتاً يصير لنا وصفاً لازماً عند كشف ذلك عنا .