كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)

صفحة رقم 38
النبأ الجسيم والملم العظيم ) الملائكة ) أي هذا النوع ، وأشار إلى كثرتهم بما بين من الحال بقوله : ( مقترنين ) أي يقارن بعضهم بعضاً بحيث يملؤون الفضاء ويكونون في غاية القرب منه بحيث يكون مقارناً لهم ليجاب إلى هذا الأمر الذي جاء يطلبه كما نفعل نحن إذا أرسلنا رسولاً إلى أمر يحتاج غلى دفاع وخصام ونزاع ، فكان حاصل أمره كما ترى أنه تعزز بإجراء المياه ، فأهلكه الله بها إيماء إلى أن من تعزز بشيء دون الله أهلكه الله به ، واستصغر موسى عليه الصلاة والسلام وعابه بالفقر والغي فسلطه إشارة إلى أنه ما استصغر أحد شيئاً إلا غلبه - أفاده القشيري .
ولما كان كلامه هذا واضعاً له عند من تأمل لا رافعاً ، وكان قد مشى على أتباعه لأنهم مع المظنة دون المنة ، فهم أذل شيء لمن ثبتت له رئاسته دنيوية وإن صار تراباً ، وأعصى شيء على من لم تفقه له الناس وإن فعل الأفاعيل العظام ، تشوف السامع إلى ما يتأثر عنه فقال : ( فاستخف ) أي بسبب هذه الخدع التي سحرهم بها في هذا الكلام الذي هو في الحقيقة محقر له موهن لأمره قاصم لملكه عند من له لب ) قومه ( الذين لهم قوة عظيمة ، فحملهم بغروره على ما كانوا مهيئين له في خفة الحلم ) فأطاعوه ( بأن أقروا بملكه وأذعنوا لضخامته واعترفوا بربوبيته وردوا أمر موسى عليه الصلاة والسلام .
ولما كان كلامه كما مضى أعظم موهن لأمره وهو منقوض على تقدير متانته بأن موسى ( صلى الله عليه وسلم ) على نبينا وعليه وسلم أتى بما يغني عما قاله من الأساورة وظهور الملائكة بأنه مهما هددهم فعله ومهما طلبوه منه أجابهم إليه ، فلم يكن للقبط داع إلى طاعة فرعون بعدما رأوا من الآيات غلا المشاكلة في خباثة الأرواح ، علل ذلك سبحانه بقوله مؤكداً لما يناسب أحوالهم فيرتضي أفعالهم وهم الأكثر : ( إنهم كانوا ) أي بما في جبلاتهم من الشر والنفاق لأنهم كانوا ) قوماً ) أي عندهم قوة شكائم توجب لهم الشماخة إلا عند من يقهرهم بما يألفون من أسباب الدنيا ) فاسقين ) أي عريقين في الخروج عن طاعة الله إلى معصية ، قد صار لهم ذلك خلقاً ثانياً ، وكأن مدة محاولة الكليم عليه الصلاة والسلام لهم كانت قريبة ، فلذلك عبر بالفاء في قوله : ( فلما آسفونا ) أي فعلوا معناه ما يغضب إغضاباً شديداً بإغضاب أوليائنا كما في الحديث القدسي ( مرضت فلم تعدني ) لنكثرهم مرة بعد مرة وكرة في إثر كرة ) انتقمنا منهم ) أي أوقعنا بهم على وجه المكافأة لما فعلوا برسولنا عليه السلام عقوبة عظيمة منكرة

الصفحة 38