كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)

صفحة رقم 48
منها أليس توقد سراجاً وتكنس بيتها وتطلبه مجتهدة حتى تجده ، فإذا وجدته دعت أحبابها وجاراتها قائلة : افرحوا لي لوجودي درهمي الضال ، هكذا أقول لكم : يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب ، وقال : إنسان له ابنان فقال الأصغر يا أبتاه أعطني نصيبي من مالك فقسم بينهما ماله ، وبعد أيام قليلة جمع الأصغر كل شيء له وسافر إلى كورة بعيده ، وبذر ماله هناك بعيش بذخ ، فملا نفد كل شيء له حدث جوع شديد في تلك الكورة فافتقر وانقطع إلى رجل منها فأرسله إلى حقله يرعى خنازير ، وكان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله ، فلا يعطى ذلك ، ففكر في نفسه وقال : كم من أجراء أبي يفضل عنهم الخبز وأنا ههنا أهلك جوعاً ، أقوم أمضي إلى أبي وأقول : يا أبتاه أخطأت في السماء وبين يديك ، ولست بمستحق أن أدعى لك ابناً لكن اجعلني كأحد أجرائك فجاء إليه فنظره أبوه فتحنن وأسرع واعتنقه وقبله فقال : يا أبتاه أخطأت في السماء وقدامك ، ولست بمستحق أن ادعى لك ابناً ، فقال أبوه لعبيده : قدموا الحلة الأولى وألبسوه وأعطوه خاتماً في يده ، وحذاء في رجليه ، وائتوا بالعجل المعلوف واذبحوه ونأكل ونفرح لأن ابني هذا كان ميتاً فعاش ، سمع المزاهر واتفاق الأصوات والرقص ، فدعا واحداً من الغلمة وسأله فقال له : إن أخاك قدم ، وذبح أبوك العجل المعلوف ، فغضب ولم يرد أن يدخل ، فخرج أبوه وطلب إليه فقال : كم لي من سنة أخدمك ولم أخالف لك وصية قط ولم تعطني جدياً واحد أتنعم به مع أصدقائي ، فلما جاء ابنك هذا الذي أكل مالك مع الزناة ذبحت له العجل المعلوف ، فقال له : يا بني أنت معي في كل حين وفي كل شيء هو لي ، وينبغي لك أن تسر وتفرح لأن أخاك هذا كان متياً فعاش ، وضالاً فوجد .
وقال : رجل كان عنياً يلبس الأرجوان وكان يتنعم كل يوم ويلذ ، ومسكين كان اسمه العازر مطروحاً عند بابه مضروباً بقروح ، وكان يشتهي أن يشبع من الفتات الذي يسقط من مائدة ذلك الغني ، وكانت الكلام تأتي وتلطع قروحه ، فلما مات ذكل المسكين أخذته الملائكة إلى حصن إبراهيم ، ومات ذلك الغني وقبو فرفع عينيه في الهاوية وهو في العذاب ، فنظر إبراهيم من بعيد والعازر في حصنه ، فنادى : يا أبتاه إبراهيم ارحمني وأرسل العازر ليبل طرف إصبعه بما يبرد لساني لأني معذب في اللهب ، فقال له إبراهيم : يا ابني اذكر أنك قد قتلت جيرانك في حياتك والعازر في بلائه والآن فهو يستريح ههنا وأنت تعذب ، ومع ذلك فبيننا وبينكم أهوية عظيمة نائية لا يقدر أحد على العبور من ههنا إليكم ، ولا من هنا إلينا ، قال له : أسألك يا أبتاه أن ترسله إلى بيت أبي ، فإن خمسة أخوة لكي يناشدهم

الصفحة 48