كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)
صفحة رقم 49
لئلا يأتوا إلى موضع هذا العذاب ، قال له إبراهيم : عندهم موسى والأنبياء فليسمعوا منهم ، فقال له : يا أبتاه إبراهيم إن لم يمض إليهم واحد من الأموات ما يتوبون ؟ فقال له : إن كانوا لا يسمعون من موسى والأنبياء فليس إن قام واحد من الأموات يصدقونه ، وقال لتلاميذه : سوف تأتي الشكوك والويل ، الذي تأتي الشكوك من قبله خير له لو علق حجر رحى الحماز في عنقه ويطرح في البحر من أن يشك أحداً من هؤلاء الضعفاء - والله أعلم .
ولما كان الطريق الواضح القديم موجباً للاجتماع عليه ، والوفاق عند سلوكه ، بين أنهم سببوا عنه بهذا الوعظ غير ما يليق بهما بقوله : ( فاختلف ( وبين أنهم أكثروا الاختلاف بقوله : ( الأحزاب ) أي إنهم لم يكونوا فرقتين فقط ، بل فرقاً كثيرة .
ولما كانت العادة أن يكون الخلاف بين أمتين وقبيلتين ونحو ذلك ، وكان اختلاف الفرقة الواحدة عجباً ، بين أنهم من أهل القسم فقال : ( من بينهم ) أي اختلافاً ناشئاً ابتدأ من بين بني إسرائيل الذين جعلناهم مثلاً لهم : وقال لهم : قد جئتكم بالحكمة ، فسبب عن اختلافهم قوله : ( فويل ( وكان أن يقال : لهم ، ولكنه ذكر الوصف الموجب للويل تعميماً وتعليقاً للحكم به .
ولما كان في سياق الحكمة ، وهو وضع الشيء في أتقن مواضعه ، جعل الوصف الظلم الذي أدى إليه الاختلاف فقال : ( للذين ظلموا ) أي وضعوا الشيء في غير موضعه مضادة لما أتاهم ( صلى الله عليه وسلم ) به من الحكمة ) من عذاب يوم أليم ) أي مؤلم ، وإذا كان اليوم مؤلماً لما الظن بعذابه .
ولما عم الظالمين بالوعيد بذلك اليوم فدخل فيه قريش وغيرهم ، أتبعه ما هو كالتعليل مبرزاً له في سياق الاستفهام لأنه اهول فقال : ( هل ( وجرد الفعل إشارة إلى شدة القرب حتى كأنه يمرأى فقال : ( ينظرون ) أي ينتظرون ) إلا الساعة ) أي ساعة الموت العام والبعث والقيام ، فإن ذلك لتحقق أمره كأنه موجود منظور إليه .
ولما قدم الساعة تهويلاً تنبيهاً على أنها لشدة ظهور دلائلها كأنها مرئية بالعين هزاً لهم إلى تقليب أبصارهم لتطلب رؤيتها ، أبدل منها زيادة في التهويل قوله تعالى : ( أن تأتيهم ( وحقق احتمال رؤيتها بقوله : ( بغتة ( ولما كان البعث قد يطلق على ما يجهل من بعض الوجوه ، أزال هذا الاحتمال بقوله : ( وهم لا يشعرون ) أي لا يحصل لهم بعين الوقت الذي يجيء نوع من أنواع العلم ، ولا بما كالشعرة منه .
ولما كانت الساعة تطلق على الحبس بالموت وعلى النشر بالحياة ، بين ما يكون في الثاني الذي هم له منكرون من أحوال المبعوثين على طريق الاسئتناف في جواب من يقول : هل يقومون على ما هم عليه الآن ؟ فقال : ( الأخلاء ) أي في الدار ) يومئذ ( أي