كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)
صفحة رقم 51
قرناؤهم من الرجال فدخلوا في قوله ) كانوا مسلمين ( ) تحبرون ) أي تكرمون وتزينون فتسرون سروراً يظهر أثره عليكم مستمراً يتجدد أبداً .
ولما كان هذا أمراً سائقاً إلى حالهم سابقاً لمن كان واقفاً عنهم إلى وصالهم ، أقبل على ما لعله يوقفه الاشتغال بلهو أو مال محركاً لما جهل منه ، ومنبهاً على ما غفل عنه ، فقال عائداً غلى الغيبة ترغيباً في التقوى : ( يطاف عليهم ) أي المتقين الذين جعلناهم بهذا النداء ملوكاً ) بصحاف ( جمع صحفة وهي القصعة ) من ذهب ( فيها من ألوان الأطعمة والفواكه والحلوى ما لا يدخل تحت الوهم .
ولما كانت آنية الشرب في الدنيا أقل من آنية الأكل ، جرى على ذلك المعهود ، فعبر بجمع القلة في قوله : ( وأكواب ( جمع كوب وهو كوز مستدير مدور الرأس لا عروة له ، قد تفوق عن شيء منه اليد أو الشفقة أيو يلزم منها بشاعة في شيء من دائر الكوز ، وإيذاناً بأنه لا حاجة أصلاً إلى تعليق شيء لتزيد أوصافه عن أذى أو نحو ذلك .
ولما رغب فيها بهذه المغيبات ، أجمل بما لا يتمالك معه عاقل عن المبادرة إلى الدخول فيما يخصها فقال : ( وفيها ) أي الجنة .
ولما كانت اللذة محصورة في المشتهى قال تعالى : ( ما تشتهيه الأنفس ( من الأشياء المعقولة والمسموعة والملموسة وغيرها جزاء لهم على ما منعوا أنفسهم من الشهوات في الدنيا ، ولما كان ما يخص المبصرات من ذلك أعظم ، خصها فقال : ( وتلذ الأعين ( من الأشيء المبصرة التي أعلاها النظر إلى جهه الكريم تعالى ، جزاء ما تحملوه من مشاق الاشتياق .
ولما كان ذلك لا يكمل طيبه إلا بالدوام ، قال عائداً إلى الخطاب لأنه أشرف وألذ مبشر لجميع المقبلين على الكتاب ، والملتفت إليهم بالترغيب في هذا الثواب ، بشارة لهذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام بما قدمه في أول السورة وأثنائها من بلوغ قومه نهاية العقل والعلم والموصلين إلى أحسن العمل الموجب للسعادة : ( وأنتم فيها خالدون ( لبقائها وبقاء كل ما فيها ، فلا كلفة عليكم أصلاً من خوف من زوال ولا حزن من فوات .
ولما كان التقدير : الجنة التي لمثلها يعمل العاملون ، عطف عليه قوله مشيراً إلى فخامتها بأداة البعد : ( وتلك الجنة ) أي العالية المقام ) التي ( ولما كان الإرث أمكن للملك .
وكان مطمح النفوس إلى المكنة في الشيء مطلقاً لا يبعد ، بني للمفعول قوله تعالى : ( أورثتموها ( ولما كان ما حصله الإنسان بسعيه ألذ في نفسه لسرورة بالتمتع به وبالعمل الذي كان من سببه ، قال تعالى : ( بما ( وبين أن العمل كان لهم كالجبلة التي