كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)

صفحة رقم 524
ولما نزع سبحانه أموال الفيء وما كانت عليه في الجاهلية ، وبين مصرف الفيء من القرى ، وتهدد في المخالفة في ذلك لصعوبته على النفوس ، فكان ذلك جديراً بالتقبل بعد أن أفهم أن أموال بني النضير لمن سلطه عليهم وهو رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكان من المعلوم من حاله ( صلى الله عليه وسلم ) الإيثار على نفسه والقناعة بما دون الكفاف ، بين المصرف فيها بعد كفاية ( صلى الله عليه وسلم ) لأن بيان ذلك هو المقصود الأعظم لكونه حاصلاً حاضراً ، الموطأ له بأموال أهل القرى ، فقال مبدلاً من ) الله وللرسول ( وما عطف عليهما لأن من أعطى المهاجرين لهجرتهم وتجردهم من أموالهم وديارهم فإنما أعطاهم لوجه الله ووجه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ، ولا يكون بدلاً من ) ذي القربى ( لئلا يختص بفقيرهم ، أو يكون جواباً لمن كأنه قال : قد سمعنا وأطعنا فلمن يكون ما سلط الله ورسوله ( صلى الله عليه وسلم ) من أموالهم ؟ فقيل له : ( للفقراء ) أي الذي كان الإنسان منهم يعصب الحجر على بطنه من الجوع ويتخذ الحفرة في الشتاء لتقيه البرد ، ما له دثار غيرها بعد أن كان له من الأموال ما يسعه ويفضل منه ما يصل به غيره ، وإنما وصفه بالفقر لأنهم كانوا عند نزولها كذلك ، ثم خصص بالوصف فقال : ( المهاجرين ( ولما كانت الهجرة قد تطلق على من هجر أهل الكفر من غير مفارقة الوطن فقال : ( الذين أخرجوا ( وبناه للمفعول لأن المنكئ الإخراج ، لا كونه من مخرج معين ) من ديارهم ( ولما كان الإخراج هنا مضمناً معنى المنع ، واختبر التعبير به إشارة إلى أن المال السترة للإنسان لأنه ظرف له ، قال : ( وأموالهم ( .
ولما كان غلب الدنيا من النقائص ، بين أنه إذا كان من الله لم يكن كذلك ، وأنه لا يكون قادحاً في الإخلاص ، وأن أمر بني النضير إنما يسر تحقيقاً لرجائهم فقال : ( يبتغون ) أي أخرجوا حال كونهم يطلبون على وجه الاجتهاد .
وبين أنه لا يجب عليه شيء لأحد بقوله تعالى : ( فضلاً من الله ) أي الملك الأعظم الذي لا كفوء له لأنه المختص بجميع صفات الكمال من الدنيا والدين والآخرة فيغنيهم بفضله عمن سواه ) ورضواناً ( يوفقهم لما يرضيه عنهم ولا يجعل رغبتهم في العوض منه قادحاً في الإخلاص فيوصلهم إلى دار كرامته .
ولما وصفهم بتعليق بواطنهم به سبحانه وقطعها بالرضا بالإخراج عمن أو عما سواه ، وصفهم ببذل ظواهرهم له فقال : ( وينصرون ) أي على سبيل التجديد في كل وقت والاستمرار ) الله ) أي الملك الأعظم المجيد ) ورسوله ( الذي عظمته من عظمته بأنفسهم وأموالهم ليضمحل حزب الشيطان .
ولما بان ما له بهم سبحانه من العناية ترقب السامع من مدحهم ما يليق بهذا الإحبار .
فقال مستأنفاً ما هو كالعلة لتخصيصهم : ( أولئك ) أي العالو الرتبة في الأخلاق الفاضلة ) هم ) أي خاصة لا غيرهم

الصفحة 524