كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)

صفحة رقم 526
بالمشاركة ) من هاجر ( وزادهم محبة فيهم وعطفاً عليهم بقوله : ( إليهم ( لأن القصد إلى الإنسان يوجب حقه عليه لأنه لولا كمال محبته له ما خصه بالقصد إليه ، والدليل الشهودي على ما أخبر الله عنه به من المحبة أنهم شاطروا المهاجرين في أموالهم وعرضوا عليهم أن يشاطروهم نساءهم على شدة غيرتهم ، فأبى المهاجرون المشاطرة في النساء وقبلوا منهم الأموال .
ولما أخبرهم بالمحبة ورغبهم في إدامتها ، عطف على هذا الخبر ما هو من ثمراته فقال : ( ولا يجدون ) أي أصلاً ) في صدورهم ( التي هي مساكن قلوبهم فتصدر منها أوامر القلوب فضلاً عن أن تنطق ألسنتهم .
ولما كان المراد نفي الطلب منهم لما خص به المهاجري ، وكان الحامل على طلب ذلك الحاجة ، وكان كل أحد يكره أن ينسب إلى الحاجة وإن أخبر بها عن نفسه في وقت ما لغرض قال : ( حاجة ( موقعاً اسم السبب على المسبب ) مما أوتوا ) أي المهاجرون من الفيء وغيره من أموال بني النضير وغيرهم من أي مؤت كان فكيف إذا كان المؤتي هو الله ورسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وإذا لم يجدوا حاجة تدعوهم إلى الطلب فلأن لا يجدون حسداً ولا غيظاً من باب الأولى ، فهذه الآية من أعظم حاث على حسن الإخاء محذر من الحسد والاستياء .
ولما أخبر عن تخليهم عن الرذائل أتبعه الإخبار بتحليهم بالفضائل فقال : ( ويؤثرون ( عظم ذلك بقصر الفعل فصار المعنى : يوقعون الأثرة وهي اختيار الأشياء الحسنة لغيرهم تخصيصاً لهم بها لا على أحبائهم مثلاً بل ) على أنفسهم ( فيبذلون لغيرهم ) كائناً ( من كان ما في أيديهم ، وذكر النفس دليل على أنهم في غاية النزاهة من الرذائل لأن النفس إذا ظهرت كان القلب أطهر ، وأكد ذلك بقوله : ( ولو كان ) أي كوناً هو في غاية المكنة ) بهم ) أي خاصة لا بالمؤثر ) خصاصة ) أي فقر وخلل في الأحوال وحاجة شديدة تحيط بهم من كل جانب ، من خصائص البناء وهي فرجه .
ولما كان التقدير : فمن كان كلك فهو من الصادقين : عطف عليه قوله : ( ومن ( ولما كان المقصود النزاهة عن الرذيلة من أي جهة كانت ، وكان علاج الرذائل صعباً جداً ، لا يطيقه الإنسان إلا بمعونة من الله شديدة ، بنى للمفعول قوله : ( يوق شح نفسه ) أي يحصل بينه وبين أخلاقه الذميمة المشار إليها بالنفس ، وقاية تحول بينه وبينها ، فلا يكون مانعاً لما عنده ، حريصاً على ما عند غيره حسداً ، قال ابن عمر رضي الله عنه : الشح أن تطمح عين الرجل فيما ليس له ، قال ( صلى الله عليه وسلم ) :
77 ( ) اتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم ، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلو محارمهم ( ) 7

الصفحة 526