كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)

صفحة رقم 530
الآية أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى بني النضير : ( اخرجوا من بلدي ولا تساكنوني ، قد هممتم بالغدر بن وقد أجلتكم عشراً ، فمن رئي بعد لك منكم ضربت عنقه ) فأرسل إليهم ابن أبي بما تقدم .
ولما كان قولهم هذا كلاماً يقضي عليه سامعه بالصدق من حيث كونه مؤكداً مع كونه مبتدأ من غير سؤال فيه ، بين حاله سبحانه بقوله : ( والله ) أي يقولون ذلك والحال أن المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ) يشهد ( بما يعلم من بواطنهم في عالم الغيب .
ولما كان بعض من يسمع قولهم هذا ينكر أن لا يطابقه الواقع ، وكان إخلافهم فيه متحققاً في علم الله ، أطلق عليه ما لا يطلق إلا على ما كشف الواقع عن أنه غير مطابقة ، فقال تشجيعاً دلائل النبة لأنه إخبار بمغيب بعيدة عن العادة بشهادة ما ظننتم أن يخرجوا فحققه الله عن قريب .
ولما كان الكذب في قولهم هذا كونه إخباراً بما لا يكون ، شرحه بقوله مؤكداً بأعظم من تأكيدهم : ( لئن أخرجوا ) أي بنو النضير من أي مخرج كان ) لا يخرجون ) أي المنافقون ) معهم ) أي حمية لهم لأسباب يعلمها الله ) ولئن قوتلوا ) أي اليهود من أي مقاتل كان فكيف بأشجع الخلق وأعلمهم ( صلى الله عليه وسلم ) ) لا ينصرونهم ) أي المنافقون ولقد صدق الله وكذبوا في الأمرين معاً : القتال والإخراج ، لا نصروهم ولا خرجوا معهم ، فكان ذلك من أعلام النبوة ، وعلم به من كان شاكاً فضلاً عن الموقنين ، صدق الكلام على ما لم يكن ولا ليكون في قوله تعالى : ( ولئن نصروهم ) أي المنافقون في وقت من الأوقات ) ليولن ) أي المنافقون ومن ينصرونه ، وحقرهم بقوله : ( الأدبار ( ولما كان من عادة العرب الكر بعد الفر ، بين أنهم لا كرة لهم بعد هذه الفرة وإن طال المدى فقال : ( ثم لا ينصرون ) أي لا يتجدد لفريقيهم ولا لواحد منهما نصرة في وقت من الأوقات ، وقد صدق سبحانه لم يزل المنافقون واليهود في الذل ولا يزالون .
ولما كان ربما قيل : إن تركهم لنصرهم إنما هو لخوف الله أو غير ذلك مما يحسن وقعه ، علل بما ينفي ذلك ويظهر أن محط نظرهم المحسوسات كالبهائم فقال مؤكداً له لأجل أن أهل النفاق ينكرون ذلك وكذا من قرب حاله منهم : ( لا أنتم ( أيها المؤمنون ) أشد رهبة ) أي من جهة الرهبة وهو تمييز محول عن المبتدأ أي لرهبتكم الكائنة فيهم

الصفحة 530