كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)
صفحة رقم 532
من الذئب ، قال القشيري : اجتماع النفوس مع تنافر القلوب واختلافها أصل كل فساد وموجب كل تخاذل ، ومقتض لتجاسر العدو ، واتفاق القلوب والاشتراك في الهمة والتساوي في القصد يوجب كل ظفر وكل سعادة .
ولما كان السبب الأعظم في الافتراق ضعف العقل ، قال معللاً : ( ذلك ) أي الأمر الغريب من الافتراق بعد الاتفاق الذي يخيل الاجتماع ) بأنهم قوم ) أي مع شدتهم ) لا يعقلون ( فلا دين لهم يجمعهم لعلمهم أنهم على الباطل فهم أسرى الأهوية ، والأهوية في غاية الاختلاف ، فالعقل مدار الاجتماع كما كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في زمن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كما أن الهوى مدار الاختلاف .
الحشر : ( 15 - 17 ) كمثل الذين من. .. . .
) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ الظَّالِمِينَ ( ( )
ولما كان الإخبار بعدم عقلهم دعوى دل عليها بأمر مشاهد فقال : ( كمثل ) أي قصتهم في عدم فقههم بل عقلهم الذي نشأ عنه إخراجهم هذا وما سببه من مكرهم وغدرهم واعتمادهم على ابن أبيّ ومن معه من المنافقين كمثل قصة ) الذين من قبلهم ( ولما كان إدخال الجار مع دلالته على عدم استغراق زمان القبل يدل على قرب الزمن ، صرجح به فقال : ( قريباً ( وهم كما قال ابن عباس رضي الله عنهما بنو قينقاع من أهل دينهم اليهود أظهروا بأساً شديداً عند ما قصدهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) غزوة بدر فوعظهم وحذرهم بأس الله فقالوا : لا يغرنك يا محمد أنك لقيت قوماً أغماراً لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم ، وأما والله لو قاتلتنا لعلمت أنا نحن الناس ، ثم مكروا بامرأة من المسلمين فأرادوها على كشف وجهها فأبت فعقدوا طرف ثوبها من تحت خمارها ، فما قامت انكشفت سوأتها فصاحت فغار لها شخص من الصحابة رضي الله عنهم ، فقتل اليهودي الذي عقد ثوبها فقتلوه ، فانتقض عهدهم ، فأنزل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بساحتهم جنود الله فأذلهم الله ونزلوا من حصنهم على حكمه ( صلى الله عليه وسلم ) وقد كانوا حلفاء ابن أيّ ، ولم يغن عنهم شيئاً غير أنه سأل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في أن لا يقتلهم وألح عليه حتى كف عن قتلهم فذهبوا عن المدينة الشريفة بأنفسهم من غير حشر لهم بالإلزام بالجلاء .
ولما كان كأنه قيل : ما كان خبرهم ؟ قال : ( ذاقوا وبال ) أي وخامة وسوء عاقبة ) أمرهم ( في الدنيا وهو كفرهم وعداوتهم لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وحزبه الذين هم حزب الله ، وسماه أمراً لأنه مما ائتمروا فيه ) ولهم ) أي في الآخرة ) عذاب أليم ) أي شديد الإيلام ،