كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)

صفحة رقم 538
وتمت النعمة عليه وإلا كان من الذين آمنوا ، فإن كان ذلك منه قولاً عصم من نار الأحكام على الأبدان في الدنيا ، وإن كان علماً تخلص من نار الهلع على النفوس في الدنيا ، وهو الجزع عند مس الشر ، والمنع والبخل عند مس الخير ، ولن يشهد التوحيد في هذه الكلمة التي مضمونها توحيد اسم الإله إحساناً إلا بعد إحصاء جميع الأسماء علماً ، قال الحرالي : والإله : التعبد وهو التذلل ، فمن توهم حاجته بشيء وتوهم أن عنده قوام حاجته تذلل فكان تذلله له تألهاً ، وكل من عبد ما أحاط عينه فقد خذل عقله عن تصحيح معنى الإله الذي يجب أن يكون غيباً ، فكان تصحيح معنى الإله أنه غيب قائم مستحق للعبادة والتذلل لأجل قيامه والاستغناء به .
ولما أخبر بتفرده ، دل عليه بآية استحقاقه لذلك ، فقال مقدماً لما متقدم في الوجود : ( عالم الغيب ) أي الذي غاب عن علم جميع خلقه .
ولما كنا ربما ظن أن وصفه بالغيب أمر نسبي سمي غيباً بالنسبة لناس دون ناس ، دل بذكر الضد على أن المراد كل ما غاب وكل ما شهد فقال تعالى : ( والشهادة ) أي الذي وجد فكان بحيث يحسه ويطلع عليه بعض خلقه .
ولما تعالى في صفات العظمة ونعوت الجلال والكبر فبطن غاية البطون ، أخذ رحمة العبادة بالتنزيل لهم بالتعرف إليه بعواطف الرحمة فقال بانياً الكلام على الضمير إعلاماً بأن المحدث عنه أولاً هو بعينه المحدث عنه ثانياً : ( هو الرحمن ) أي العام الرحمة ، قال الحرالي رحمه الله تعالى : والرحمة إجراء الخلق على ما يوافق حسبهم ويلائم خلقهم وخلقهم ومقصد أفئدتهم ، فإذا اختص ذلك بالبعض كان رحيمية ، وإذا استغرق كان رحمانية ، ولاستغراق معنى اسم الرحمن لم يكن لإتمام في معنى استغراقه - يعني باسم الله .
ولما كانت الرحيمية خاصة بما ترضاه الإليهة قال تعالى : ( الرحيم ) أي ذو الرحمة العامة المسعدة في الظاهر والرحمة الخاصة المسعدة في الباطن ، قال الحرالي : الرحمة من الرحيم اختصاص من شملته الرحمانية بمزية ما أوثر به من الرحمة في مقابلة من آل أمره إلى نعمه ليجمع مقتضى الاسمين بني عموم الرحمانية واختصاص الرحيمية : ولما أظهر على الخلق خصوص الإيثار ، أجرى عليهم اسم الرحيم كرحمة الخلق أبناءهم .
ولما كان حق اسم الرحيم إثبات رحمة غير مجذوذة ولم يكن ذلك للخلق لم يكن بالحقيقة الرحيم إلا الله الذي إذا اختص بالرحمة لم يحدها
77 ( ) فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ( ) 7
[ البقرة : 256 ]

الصفحة 538