كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)

صفحة رقم 544
فيها من الأبواب وأوساط الجدر وأطرافها وزواياها غير ذلك ، وكذا الخشاب والحداد في الخشب والحديد وهو البرئ ثم يأخذ الكل البناء فيضعها مواضعها إلى أن تقوم صورتها التي رسمها لمهندس أولاً وقدرها ، ولا تقوم الصورة بالحق إلا إذا كانت محكمة بحسب الطاقة كما أن البناء يضع الحجارة أولاً ثم يجعل الخشب فوقها لا بالاتفاق بل بالحكمة ، ولو قلب ذلك لم تثبت الصورة ولم يكن لها الاسم إلا على أقل وجوه الضعف فكل من كان أحكم كان تصويره أعظم ، ولذلك لا مصور في الحقيقة إلا الله الخالق البارئ المصور سبحانه ، قال الرازي في اللوامع : والتصير موجود في كل أجزاء العالم وإن صغر حتى في الذرة والنملة بل في كل عضو من أعضاء النملة ، بل الكلام يطول في طبقات العين وعددها وهيئاتها وشكلها ومقاديرها وألوانها ، ووجه الحكمة فيها ، فمن لم يعرف صورتها لم يعرف مصورها إلا بالاسم المجمل ، وهكذا القول في كل صورة لكل حيوان ونبات بل لكل جزء من نبات وحيوان .
ولما علم من هذا أنه لا بد أن يكون المصور بالغ الحكمة ، أردفه بقوله تعالى : ( له ) أي خاصة لا لغيره ) الأسماء الحسنى ( اي من الحكيم وغيره ممن لا يتم التصوير إلا به ولا تدركونه أنتم حق إدراكه .
ولما أخبر سبحانه أول السورة أن الكائنات أوجدت تسبيحه خضوعاً لعزته وحمته ، ودل على ذلك بما تقدم إلى أن أسمعه الآذان الواعية بالأسماء الحسنى ، دل على دوام اتصافه بذلك من يحتاج لما له من النقص من الخلق إلى التذكير فعبر بالمضارع فقال : ( يسبح ) أي يكرر التنزيه الأعظم من كل شائبة نقص على سبيل التجدد والاستمرار ) له ) أي على وجه التخصيص بما أفهمه قصر المتعدي وتعديته باللام ) ما في السماوات ( ولما كان هذا المنزه الذي استجلى التنزيه من الأسماء الحسنى قد أشرقت أنفاسه ولطفت أقطاره وأغراسه حتى صار علوياً فرأى الأرض عالية كالسماء لما شاركتها به في الدلالة على تمام كماله لجعلها معها لأنه لا يحتاج إلى تأكيد كالشيء الواحدج بإسقاط ( ما ) وألصقها بها إلاحة إلى ذلك فقال : ( والأرض ( فمن تأمل الوجود مجملاً ومفصلاً ، علم تسبيح ذلك كله بنعوت الكمال وأوصاف الجلال والجمال ) وهو ( اي والحال أنه وحده ) العزيز ) أي الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء ولا يوجد له مثل ، ويعز الوصول إليه ويشتد الحاجة إليه .
ولما كان من يكون بهذه الصفة لا يتم أمره وثبت كل ما يريده إلا إن كان على قانون الحكمة قال : ( الحكيم ( من الحكمة وهي إتقان الحكم وإنهاؤها إلى جد لا يمكن نقضهن والحكم قال الحرالي : المنع عما يترامى إليه المحكوم إيالة عليه وحمله

الصفحة 544