كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)

صفحة رقم 550
ولما كان التقدير بما هدى إليه العاطف : فمن فعل منكم فقد ظن أني لا أعلم الغيب أو فعل ما يقتضي ظن ذلك ، عطف عليه قوله : ( ومن يفعله ) أي يوجد الاتخاذ سراً أو علناً أو يوجد الإسرار بالمودة فالإعلان أولى في وقت من الأوقات ماض أو حال أو استقبال .
ولما كان المحب قد يفعل بسبب الإدلال ما يستحق به التبكيت ، فإذا بكت ظن أن ذلك ليس على حقيقته لأن محبته لا يضرها شيء ، وكان قد ستر المعايب بأن أخرج الكلام مخرج العموم ، صرح بأن هذا العتاب مراد به الإحباب فقال : ( منكم ( وحقق الأمر وقربه بقوله : ( فقد ضل ) أي عمي ومال وأخطأ ) سواء السبيل ) أي قويم الطريق الواسع الموسع إلى القصد قويمه وعدله ، وسبب نزول هذه الآية روي من وجوه كثيرة فبعضه في الصحيح عن علي ومنه في الطبراني عن أنس ومنه في التفاسير ( أن سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف أتت المدينة ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتجهز لفتح مكة فسألها ما أقدمها ، فقالت : ذهب موالي وقد احتجت حاجة شديدة ، وكنتم الأهل والعشيرة والموالي ، فحث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بني عبد المطلب وبني المطلب فأعطوها وكسوها وحمولها ، فكتب معها حاطب بن أبي بلتعة حليف بني أسد بن عبد العزى من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يريدكم فخذوا حذركم ، فأعطاها عشرة دنانير ، فنزل جبريل عليه السلام بالخبر فبعث رسول الله الله صلى الله عليه عمر وعلياً وعماراً والزبير وطلحة والمقداد وأبا مرثد وكانوا كلهم فرساناً فقال : ( انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب من حاط إلى المشركين ، فخذوه منها وخلوا سبيلها ، وإن لم تدفعه غليكم فاضربوا عنقها ( فانطلقوا تعادي بهم خيلهم ، فأدركوها في ذلك المكان فأنكرت وحلفت بالله ، ففتشوها فلم يجدوه فهموا بالرجوع ، فقال علي رضي الله عنه : ما كذبنا ولا كذبنا ، وسل سيفه فقال : أخرجي الكتاب أو لألقين الثياب ولأضربن عنقك ، فقالت : على أن لا تردوني ، ثم أخرجته من عقاصها قد لفت عليه شعرها ، فخلوا سبيلها ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لحاطب : ( ل تعرف الكتاب ( ، قال : نعم ، قال : ( فما حملك على هذا ( ؟ قال : لا تعجل يا رسول الله ، والله ما كفر منذ أسلمت ولا غششت منذ نصحتك ولا احببتهم منذ فارقتهم ، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يدفع الله به عن عشيرته ، وكنت غريباً خليفاً فيهم ، وكان أهلي بين ظهرانيهم فأردت أن أتخذ عندهم يداً يدفع الله بها عن أهلي ، وقد علمت أن الله تعالى ينزل بهم بأسه ، وأن كتابي لا يغني عنهم شيئاً ، فقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( صدق ولا تقولوا له إلا خيراً ( ، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( وما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر

الصفحة 550