كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)

صفحة رقم 552
سبحانه قد أعز المؤمنين بعد ذلهم وقواهم بعد وهنهم وضعفهم ، وثقفهم بعد جهلهم ، بين ظلال معتقد ذلك بأن كف الكفار إنما هو لعجزهم وأنهم لو حصل لهم ما هو للمسلمين الآن من القوة لبادروا إلى إظهار العداوة مع أن ذلك في نصر الشيطان ، فأولياء الرحمن الوى باتباع ما آتاهم من الإيمان ، فقال مبيناً لبقاء عداوتهم : ( إن يثقفوكم ) أي يجدوكم في وقت من الأوقات ومكان من الأماكن وهم يطمعون في أخذكم بكونهم أقوى منكم أو أعرف بشيء مما تيوصل به إلى الغلبة ، وأشار بأداة الشك إلى أن وجدانهم وهم على صفة الثقافة مما لا تحقق له ، وإنما هو على سبيل الفرض والتقدير ، وأنه إنما علم سبحانه أنه لو كان كيف كان يكون ، مع أنه مما لا يكون ، ونبه على عراقتهم في العداوة بالتعبير بالكون فقال : ( يكونوا لكم ) أي خاصة ) أعداء ) أي يعدون إلى أذاكم كل عدو يمكنهم وإن واددتموهم .
ولما كانت العداوة قد تكون بإغراء الغير ، عرف أنهم لشدة غيظهم لا يقتصرون على ذلك فقال : ( ويبسطوا إليكم ) أي خاصة وإن كان هناك في ذلك الوقت من غيركم من قتل أعز الناس إليهم ) أيديهم ) أي بالضرب إن استطاعوا ) وألسنتهم ) أي بالشتم مضمومة إلى فعل أيديهم فعل من ضاق صدره بما نجرع من آخر من غيركم من القصص حتى أوجب له غاية السعة ) بالسوء ) أي بكل ما من شأنه أن يسوء .
ولما كان أعدى الأعداء لك من تمنى أن يفوتك أعز الأشياء لديك ، وكان أعز الأشياء عند كل أحد دينه ، قال متمماً للبيان : ( وودوا ) أي وقعت منهم هذه الودادة قبل هذا لأن مصيبة الدين أعظم فهم إليها أسرع لأن دأب العدو القصد إلى أعظم ضرر يراه لعدوه ، وعبر بما يفهم التمني الذي يكون في المحالات ليكون المعتى أنهم أحبوا ذلك غاية الحب وتمنوه ، وفيه بشرى بأنه من قبيل المحال ) لو تكفرون ) أي يقع منكم الكفر الموجب للهلاك الدائم ، وقدم الأول لأنه أبين في العداوة وإن كان الثاني أنكاً .
ولما كانت عداوتهم معروفة وإنما غطاها محبة القرابات لأن الحب للشيء يعمي ويصم ، فخطأ رأيهم في موالاتهم بما أعلمهم به من حالاتهم ، زهد فيها مما يرجع إلى حال من والوهم لأجلهم بما تورثه من الشقاء الدائم يوم البعث ، فقال مستأنفاً إعلاماً بأنها خطأ على كل حال : ( لن تنفعكم ) أي بوجه من الوجوه ) أرحامكم ) أي قراباتكم الحاملة لكم على رحمتهم والعطف عليهم ) ولا أولادكم ( الذي هم أخص أرحامكم إن واليتم أعداء الله لأجلهم فينبغي أن لا تعدوا قربهم منكم بوجه أصلاً ، ثم علل ذلك بينه بقوله : ( يوم القيامة ) أي القيام الأعظم .
ولما كان النافي وقوع الفصل لا كونه من فصال معين قال بانياً للمفعول

الصفحة 552