كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)

صفحة رقم 572
في الزمان آخر في الرتبة والآخر في الزمان أولاً في الرتبة مع شدة الإحكام في ترصيف النظام والبلوغ في الرشاقة والانسجام إلى حد لا يطيقه نوافذ الأفهام مع بداعة المعاني ومتانة المباني ، وكان فعل من ناصح الكفار ممن أمن بلسانه وأذعن بجنانه وهاجر بأركانه نوع مناصحة فعل من يقول مالا يفعل في منابذتهم والتجرد بعداوتهم ، فذكر أول هذه السورة من تنزيهه بألسنة أحوال ما لا يعقل ما يخجل المسلم بشيء من ذلك تأديباً لأمثاله ، وتدريباً لمن يلم بشء من المخالفة بباله ، وكان العاقل أولى من غيره بتنزيه جناب القدس بالطاعة ، فكيف إذا كان ممن أقر بالإيمان وتقلد عهدة الإذعان ، وكان من عصى منهم منادياً على نفسه بمخالفة قوله لفعله ، ومن نزهه حق تنزيهه لم يقصر في حق من حقوقه بتضييع شيء نم أوامره كما أن تنزيه ما لا يعقل بأن لا يخالف شيئاً من مراده ، قال مرهباً بنداء البعد والتوبيخ الذي من مبادئ الغضب والإنكار بالاستفهام والتعبير بما يفهم أدنى مراتب الإيمان : ( يأيها الذين آمنوا ) أي ادعوا الإيمان ) لم ( قال في الكشاف : هي لام الإضافة داخلة على ( ما ) الاستفهامية كما دخل عليها غيرها من حروف الجر في بم وفيم ومم وعم وإلام وعلام ، وإنما حذفت الألف لأن ( ما ) والحرف كشيء واحد ، ووقع استعمالها بزيادة هاء السكت أو الإسكان ، ومن أسكن في الوصل فلإجرائه مجرى الوقف كما سمع ثلاثه أربعه بالهاء وإلقاء حركة الهمزة عليها محذوفة ، وقال الرضي في الموصول : إنها حذفت لأن لها صدر الكلام ولم يمكن تأخير الجار عنها فقدم وركب معها حتى يصير المجموع موضوعة للاستفهام ، فلا يسقط الاستفهام عن مرتبة الصدر ، وجعل حذف الألف دليل التركيب ) تقولون ) أي من دعوى الإيمان التي مقتضاها إلزام الإخلاص في جميع الأحوال ) ما لا تفعلون ) أي ما لا تصدقونه بالفعل الذي يكون بغاية الرغبة والقوة فتتخذوا العدو ولياً بالإقبال عليه وإرسال التنصح إليه وقد تلفظتم بالإيمان الذي يستلزم المعاداة لكل من كفر ، وخلف الوعد في نفسه قبيح ومع الخالق أقبح .
ولما كان ذلك مهلكاً ، رحم المخاطبين بتعظيمه لينجوا أنفسهم بالكف عنه فقال : ( كبر ( فقصد به التعجيب وهو تعظيم الأمر في قلوب السامعين لأن التعجب لا يكون إلا في أرم خارج عن نظائره وأشكاله ، وفسر ما قصد منه للدلالة على خلوصه في المقت بقوله : ( مقتاً ) أي عظم جداً وما أعظمه من بغض هو أشد البغض ، وزاد في تبشيعه زيادة في التنفير منه بقوله : ( عند الله ) أي الملك الأعظم الذي يحقر عنده كل متعاظم .
ولما أبلغ في تبشيعه تشوفت النفس إلى المسند إليه ذلك قال : ( أن تقولوا ) أي عظم من تلك الجهة أن يقع في وقت من الأوقات أو حال من الأحوال قولكم ) ما

الصفحة 572