كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)

صفحة رقم 575
بدل الأذى ، والتبيجيل والانقياد موضع التوقف والإباء ، قال محققاً بحرف التحقيق مضمون الكلام : ( وقد ) أي والحال أنكم ) تعلمون ) أي علمتم قطعياً مع تجدده لكم في كل وقت بتجدد أسبابه بما آتيتكم به من المعجزات وبالكتاب الحافظ لكم من الزيغ ) أني رسول الله ) أي الملك الأعظم الذي لا كفوء له ورسوله أيضاً يعظم ويحترم لا أنه تنتهك جلالته وتخترم ) إليكم ( لا أقول لكم شيئاً إلا عنه ، ولا أنطق عن الهوى ، فعصياني عصاينه مع أني ما قلت لكم شيئاً إلا تم ، وإن كنتم قاطعين بخلافه فهي معصيته لا حامل عليها أصلاً إلا رداءة الجبلات .
ولما تحنن إليهم واستعطفهم وذكرهم ما يعلمون من رسليته وصلته بالله بما شاهدوا من الآيات التي هي أعظم الإحسان إليهم ، أعلم أنهم أوشكوا العصيان ، فقال معبراً عن ذلك بالفاء تسبيباً عن هذا القول الذي هو أهل لأن يسبب الثبات وتعقيباً وتقريباً : ( فلما زاغوا ) أي تحقق زيغهم عن قرب عن أوامر الله في الكتبا الآتي إليهم بما أبوا من قبول أمره في الإقدام على الفتح ) أزاغ الله ) أي الذي له الأمر كله ) قلوبهم ( من الاستواء ، وجمع الكثرة يدل على أنه لم يثبت منهم إلا القليل فهزمهم بين يدي أعدائهم وضربهم بالتيه لأنهم فسقوا عن أمر الله ) فالله ( - لا يهديهم ، فأسند الذنب إليهم والعقوبة إليه وإن كان الكل فعله تعليماً لعباده الأدب وإعلاماً بأن أفعالهم الاختيارية ينسب إليهم كسبها ويقوم به الحجة عليهم لعدم علمهم بالعاقبة ) والله ) أي الملك الأعظم الذي له الحكمة البالغة لأنه المستجمع لصفات الكمال ) لا يهدي ) أي بالتوفيق بعد هداية البيان ) القوم الفاسقين ) أي العريقين في الفسق الذين لهم قوة المحاولة فلم يحملهم على الفسق ضعف ، فاحذروا أن تكونوا مثلهم في العزائم فتساووهم في عقوبات الجرائم - انتهى .
ولما كان أذى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بمخالفة أمره تارة يكون مع العلم برسالته والإقرار بها وتارة مع الإنكار ، وقدم العتاب على ما كان منه على تقدير التصديق ، وذكر فيه بقصة موسى عليه الصلاة والسلام الذي كانوا يؤذونه مع العلم برسالته ، وهدد بما اتفق لهم من زيغ القلوب التي هي عماد الأبدان وصلاح الإنسان ، أتبعه ما يكون منه عند فرض الإنكار .
ولما كان رد المنكر تارة بالعقل وتارة بالنقل ، وكان الذي بالعقل يكون بنظر المعجزات ولا سيما إخراج الخبأ وقد كان منه في قصة حاطب رضي الله تعالى عنه في إخراج كتابه الذي اجتهد في إخفائه واجتهدت الظعينة الحاملة له في كتمانه ما فيه مقنع في العلم بالرسالة وتحقق الجلالة ، أتبع ذلك دليلاً نقلياً تأييداً للعقل مع كونه دليلاً على صحة الإخبار بإزاغة قلوب بني إسرائيل جزاء على زيغهم عن الحق فقال : ( وإذ ) أي واذكروا حين ) قال عيسى ( ووصفه بما حقق من هو فقال : ( ابن مريم ) أي لقوم

الصفحة 575