كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)

صفحة رقم 587
الجاري وتخلله الأراضي بالجار فقال : ( من تحتها ) أي تحت أشجارها وغرفها وكل متنزه فيها ) الأنهار ( فهي لا تزال غضة زهراء ، ولم يحتج هذا الأسلوب إلى ذكر الخلود لغناء ما بعده عنه ، دل على الكثرة المفرطة في الدور بقوله بصيغة منتهى الجموع : ( ومساكن ( ولما كانت المساكن لا تروق إلا بما يقارنها من المعاني الحسنة قال : ( طيبة ) أي في الاتساع واختلاف أنواع الملاذ وعلو الأبينة والأسرة مع سهولة الوصول إليها وفي بهجة المناظر وتيسر مجاري الريح بانفساح الأبنية مع طيب الغرف ، لم يفسد الماء الجاري تحتها شيئاً من ريحها ولا في اعتدالها في شيء مام يراد منها .
ولما كانت لا يرغب فيها إلا بدوام الإقامة ، بين صلاحتيها لذلك بقوله : ( في جنات عدن ) أي بساتين هي أهل للإقامة بها لا يحتاج في إصلاحها إلى شيء خارج يحتاج في تحصيله إلى الخروج عنها له ، ولا آخر لتلك الإقامة ، قال حمزة والكرماني في كتابه جوامع التفسير : هي قصبة الجنان ومدينة الجنة أقربها إلى العرش .
ولما كان هذا أمراً شريفاً لا يوجد في غيرها قال : ( ذلك ) أي الأمر العظيم جداً وحده ) الفوز العظيم ( .
ولما ذكر ما أنعم عليه به في الأخرى لأنه أهم لوامها ، كان التقدير بما دل عليه العطف .
هذا لكم ، عطف عليه ما جعل لهم في الدنيا فقال : ( وأخرى ) أي ولكم نعمة ، أو يعطيكم ، أو يزيدكم نعمة أخرى .
ولما كان الإنسان أحب في العاجل وأفرح بالناجز قال : ( تحبونها ) أي محبة كثيرة متجددة متزايدة ، ففي ظاهر هذه البشرى تشويق إلى الجهاد وتحبيب ، وفي باطنها حث على حب الشهادة بما يشير إليه من التوبيخ أيضاً على حل العاجل والتقريع : ( نصر من الله ) أي الذي أحاطت عظمته بكل شيء لكم وعلى قدر إحاطته تكون نصرته ) وفتح قريب ) أي تدخلون منه إلى كل ما كان متعسراً عليكم من حصون أعدائكم وغيرها من أمورهم في حياة نبيكم ( صلى الله عليه وسلم ) أعظمه فتح مكة الذي كتب حاطب رضي الله عنه بسببه ، وبعد مماته ، وفيه شهادة لحاطب رضي الله عنه بأنه يحب نصرة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والفتح عليه مكة وغيرها لصحة إيمانه كما أخبر به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الذي لا ينطق عن الهوى .
ولما كان ما تقدم من المعاتبة إنذاراً لمن خالف فعله قوله من الذين آمنوا ، وكان المقام قد أخذ حظه من الإنذار والتوبيخ ، طوى ما تقديره : فأنذر من لم يكن راسخاً في الدين من المنافقين ، ومن خالف فعله قوله من المؤمنين : عطف عليه دلالة عليه ليكون أوقع في النفس لمن يشير إليه طيه من الاستعطاف قوله : ( وبشر المؤمنين ) أي الذين صار الإيمان لهم وصفاً راسخاً كحاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه بان الله يفتح لك البلاد شرقاً وغرباً ، وأول ذلك مكة المشرفة ولا يحوجهم إلى أن يدرؤوا عن عشائرهم

الصفحة 587