كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)

صفحة رقم 588
وأموالهم ولا أن يكون شيء من أفعالهم يخالف شيئاً من أقوالهم .
ولما هز سبحانه إلى الجهاد وشوق إليه بأنه متجر رابح ، ولوح إلى النذارة بالتنشيط بالبشارة ، فتهيأت النفوس إلى الإقبال عليه وانبعثت أي انبعاث ، حض عليه بالإيجاب المقتضي للثواب أو العقاب ، فقال منادياً بأداة البعد والتعبير بما يدل على أدنى الأسنان تأنيباً على أنه لا يعدم الوصف بالإيمان إلا مقرون بالحرمان تشويقاً وتحبباً : ( يأيها الذين آمنوا ) أي أقروا بذلك فأذعنوا بهذا الوعظ غاية الإذعان أني أمرت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول لكم : ( كونوا ) أي بغاية جهدكم ) أنصار الله ) أي راسخين في وصف النصرة وفي الذروة العليا من ثبات الأقدام في تأييد الذي له الغنى المطلق لتكونوا - بما أشارت إليه قراءة الجماعة بالإضافة - بالاجتهاد في ذلك كأنكم جميع أنصاره ، فإنكم أشرف من قوم عيسى عليه الصلاة والسلام ، وما ندبكم سبحانه لنصرته إلا لتشريفكم بمصاحبة رسله الذين هم خلاصة خلقه عليهم الصلاة والسلام فقولوا سمعنا وأطعنا نحن أنصار الله وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بالتنوين ولام الجر على معنى : كونوا بعض أنصاره ، ويشبه أن يكون المأمور به في هذه القراءة الثبات على الإيمان ولو في أدنى الدرجات ، وفي قراءة الجمهور الرسوخ فيه .
ولما كان التقدير على صفة هي من الثبات والسرعة على صفة الحواريين ، عبر عن ذلك بقوله : ( كما ) أي كونوا لأجل أني أنا ندبتكم بقولي من غير واسطة ولذذتكم بخطابي مثل ما كان الحواريون أنصار الله حين ) قال عيسى ابن مريم ( حين أرسلته إلى بني إسرائيل ناسخاً لشريعة موسى عليه الصلاة والسلام ) للحواريين ) أي خلص أصحابه وخاصته منهم : ( من أنصاري ( حال كونهم سائرين في منازل السلوك والمعاملات ومراحل المجاهدات والمنازلات ) إلى الله ) أي المحيط بكل شيء فنحن إليه راجعون كما كنا به مبدوئين .
ولما اشتد تشوف السامع إلى جوابهم ، أبان ذلك بقوله : ( قال الحواريون ( معلمين أنه جادون في ذلك جداً لا مزيد عليه عاملين فيما دعاهم إليه عمل الواصل لا السائر لعلمهم أنه إجابته إجابة الله لأنه لا ينطق عن الهوى فليس كلامه إلا عن الله : ( نحن ) أي بأجمعنا ) أنصار الله ) أي الملك الأعلى الذي هو غني عنا وقادر على تمام نصرنا ، ولو كان عدونا كل أهل الأرض ننصره الآن بالفعل ، لا نحتاج إلى تدريب يسير ولا نظر إلى غير ، لاستحضارنا لجميع ما يقدر عليه الآدمي من صفات جلاله وجماله وكماله ، ولذلك أظهروا ولم يضمروا .
ولما كان التقدير : ثم دعوا من خالفهم من بني إسرائيل وبارزوهم ، سبب عنه

الصفحة 588