كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)

صفحة رقم 68
هريرة رضي الله عنه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : بادروا بالأعمال ستاً : الدجال والدخان ودابة الأرض وطلوع الشمس من مغربها وأمر العامة وخويصة أحدكم .
ولما كان من المعلوم أنهم يقولون عند إتيانه جرياً على عادة جهلهم : ما هذا ؟ أجيبوا بقوله تعالى حكاية عن لسان الحال ، أو قول بعضهم أو بعض أولياء الله : ( هذا عذاب أليم ( يخلص وجعه إلى القلب فيبلغ في ألمه بما كنتم تؤلمون دعائكم إلى الله برد مقولهم والاستخفاف باغتراركم بكثرة العدد والقوة والمدد .
ولما كان كأنه قيل : فما قالوا حين تحققوا ذلك ؟ قيل : قالوا وقد انحلت عرى تلك الغزائم ، ووهت تلك القوى من كل عازم ، وسفلت بعد العو تلك الشوامخ من الهمم مدعين أنهم لغاية الإذعان من أهل القرب والرضوان : ( ربنا ) أي أيها المبدع لنا والمحسن إلينا ) اكشف عنا العذاب ( ثم عللوا ذلك بما علموا أنه الموجب كشفه ، فقالوا مؤكدين لما لحالهم من المنافاة لخبرهم : ( إنا مؤمنون ) أي عريقون في وصف الإيمان واصلون إلى رتبة الإيقان ، وهذا يصح أن يراد به بعد طلوع الشمس من مغربها ، روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( لا تقوم الساعة حتى تطلع اشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون ، وذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها ) ثم قرأ الآية ، وإن كان المراد بالعذاب ما حصل من القحط كان هذا الإيمان على سبيل الوعد .
ولما كان كشف الآيات وإظهار العذاب لا يفيد في الدلالة على الحق أكثر مما أفاده الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بما أقامه من المعجزات بل إفادة الرسول أعظم ، أجيب من كأنه سأل عن حالهم عند ذلك بقوله معرضاً عن خطابهم ، إيذاناً بدوام مصابهم ، لئلا يظن أنه ما كشف عنهم العذاب إلا لظن أنهم صادقون : ( أنى ) أي كيف ومن أين ) لهم الذكرى ) أي هذا التذكر العظيم الذي وصفوا به أنفسهم ) وقد ) أي والحال أنه قد ) جاءهم ( ما هو أعظم من ذلك بما لا يقاس ) رسول مبين ) أي ظاهر غاية الظهور أنه رسولنا ، وموضح غاية الإيضاح لما جاء به عنا بما أظهر من الآيات ، وغير ذلك من الدلالات .
ولما كان الإعراض عنه مع ماله من العظمة بالبيان استخفافاً به وبمن جاء من

الصفحة 68