كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)

صفحة رقم 70
كانت البطشة يوم بدر أو غيره فيخسر هنالك من كشف حال الابتلاء عن طغيانه ، وتمرده على ربه وعصيانهن ويجوز أن يكون هذا ظرفاً لعائدون .
ولما كان ما له سبحانه من الحلم وطول الإمهال موجباً لأهل البلادة والغلظة الشك في وعيده ، قال مؤكداً ) إنا منتقمون ) أي ذلك سفة ثابتة لم نزل نفعلها بأعدائنا لنسر أضدادهم في أوليائنا .
ولما كان التقدير : لفقد فتناهم بإرسالك إليهم ليكشف ذلك لمن لا يعلم الشيء إلا بعد وقوعه عما نعلمه في الأزل ، وفيما لا يزال ولم يزل ، من بواطن أمورهم ، فتقوم الحجة على من خالفنا على مقتضى عاداتكم ، عطف عليه محذراً لقريش ومسلياً للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) قوله : ( ولقد فتنا ) أي فعلنا على ما لنا من العظمة فعل الفاتن وهو المختبر الذي يريد أن يعلم حقيقة الشيء بالإملاء والتمكين ثم الإرسال .
ولما كان من المعلوم أن قوم فرعون لم يستغرقوا الزمان ولا كانوا أقرب الناس زماناً إلى قريش ، نزع الجار قبل الظرف لعدم الإلباس أو أنه عظم فتنتهم لما كان لهم من العظمة والمكمنة ، فجعلها لذلك كأنها مستغرقة لجميع الزمان فقال : ( قبلهم ) أي قبل هؤلاء العرب ليكون ما مضى من خبرهم عبرة لهم وعظة .
ولما كان فرعون من أقوى من جاءه رسول قبلهم بما كان له من الجنود والأموال والمكنة ، وكان الرسول الذي أتاه قد جمع له - ( صلى الله عليه وسلم ) - الآيات التي اشتملت على التصرف في العناصر الأربعة .
فكان فيها الماء والتراب والنار والهواء ، وكانوا إذا أتتهم الآية قالوا : يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون ، فإذا كشف عنهم ذلك عادوا إلى ما كانوا عليه كما أخبر تعالى عن هؤلاء عند مجيء الدخان - إلى غير ذلك أجمعين ، فكانوا أجلى مثل لقوله تعالى في التي قبلها
77 ( ) فأهلكنا أشد منهم بطشاً ( ) 7
[ الزخرف : 8 ] خصهم بالذكر من بين المفتونين قبل فقال : ( قوم فرعون ) أي مع فرعون لأن ما كان فتنة لقومه كان فتنة له لأن الكبير أرسخ في الفتنة بما أحاط به من الدنيا ، وسيأتي التصريح به في آخر القصة ) وجاءهم ) أي المضافين والمضاف إليه في زيادة فتنتهم ) رسول كريم ) أي يعلمون شرفه نسباً وأخلاقًا وأفعالاً ، ثم زاد بيان كرمه بما ظهر لله به من العناية بما أيده به من المعجزات .
ولما أخبر بمجيئه إليهم بالرسالة التي لا تكون إلا بالقول ، فسر ما بلغهم منها بقوله : ( أن أدوا ) أي أوصلوا مع البشر وطيب النفس ، وأبرز ذلك في صيغة الأمر الذي لا يسوغ مخالفته ولما كان بين موسى عليه الصلاة والسلام وبين تصرفه في قومه حائل كثيف منظلم فرعون وقومه ، أشار إليه بحرف الغاية فقال : ( إليّ ( ونبهه على أنه لا

الصفحة 70