كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)

صفحة رقم 82
ولما كان كأنه قيل : ما للأثيم يأكل هذا الطعام ، وما الحامل له عليه وعلى مقاربة مكانه ، أجيب بأنه مقهور عليه ، يقتضيه صفة العزة فيه الرحمة لإعادته بأن يقال اللزبانية : ( خذوه ) أي أخذ قهر فلا تدعوه يملك من أمره شيئاً ) فاعتلوه ) أي جروه بقهر بغلظة وعنف وسرعة إلى العذاب والإهانة بحيث يكون كأنه محمول ، وقال الرازي في اللوامع : والعتل أن يأخذ بمجامع ثوبه عند صدره يجره ، وقراءة الضم أدل على تناهي الغلظة والشدة من قراءة الكسر ) إلى سواء ) أي وسط ) الجحيم ) أي النار التي في غاية الاضطرام والتوقد ، وهي موضع خروج الشجرة التي هي طعامه .
ولما أفهم هذا صار في موضع يحيط به العذاب فيه من جميع الجوانب ، بين أن له نوعاً آخر من النكد رتبته في العظمة مما يستحق العطف بأداة التراخي فقال : ( هم صبوا ) أي في جميع الجهة التي هي ) فوق رأسه ( ليكون المصبوب محيطاً بجميع جسمه ) من عذاب الحميم ) أي العذاب الذي يغلي به الحميم أو الذي هو الحميم نفسه ، والتعبير عنه بالعذاب أهول ، وهذا في مقابلة ما كان لهم من البركة بما ينزل من السماء من المطر ليجتمع لهم حر الظاهر بالحميم والباطن بالزقوم .
ولما علم بهذا أنه لا يملك من أمر نفسه شيئاً ، بل وصل إلى غاية الهوان ، دل عليه بالتهكم بما كان يظن في نفسه من العظمة التي يترفع بها في الدنيا على أوامر الله ، فقيل بناء على ما تقديره : يفعل به ذلك مقولاً له : ( ذق ) أي من هذا أوصلك إليه تغررك على أولياء الله .
ولما كان أولياء الله منالرسل وأتباعهم يخبرون في الدنيا أنه .
لإبائه أمر الله - هو الذليل ، وكان هذا الأثيم وأتباعه يكذبون بذلك ويؤكدون قولهم المقتضي لعظمته لإحراق أكباد الأولياء حكى له قولهم على ما كانوا يلفظون به زيادة في تذعيبه بالتوبيخ والتقريع معللاً للأمر بالذوق : ( إنك ( وأكد بقوله : ( أنت ( وحدك دون هؤلاء الذين يخبرون بحقارتك ) العزيز ) أي الذي يغلب ولا يغلب ) الكريم ) أي الجامع إلى الجود شرف النفس وعظم الإباء ، فلا تنفعك عن ستر مساوئ الأخلاق بإظهار معاليها فلست بلئيم أي بخيل مهين النفس خسيس الإباء ، فهو كناية عن مخاطبته بالخسة مع إقامة الدليل على ذلك بما هو فيه من المهالك ، وقراءة الكسائي بفتح ( إن ) دالة على هذا العذاب قولاً وفعلاً على ما كان يقال له من هذا الدنيا ويعتقد هو أنه حق .
ولما دل على أنه يقال هذا لكل من الأثماء ويفعل به على حدته ، دل على ما يعمون به ، فقال مؤكداً رداً لتكذيبهم سائقاً لهم على وجه مفهم أنه علة ما ذكر من عذابهم : ( إن هذا ) أي العذاب قولاً وفعلاً وحالاً ) ما كنتم ) أي جبلة وطبعاً طبعناكم عليه لتظهر قدرتنا في أمركم دنيا وأخرى ) به تمترون ) أي تعالجون أنفسكم

الصفحة 82