كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)
صفحة رقم 84
ولما كان الإنسان في الدنيا يخشى كلفة النفقات ، وصف ما هنالك من سعة الخيرات فقال : ( يدعون ) أي يطلبون طلباص هو بغاية المسرة ) فيها بكل ( لا يمتنع عليهم صنف من الأصناف ببعد مكان ولا فقد أوان ، ولا غير ذلك من الشأن ، وقال : ( فاكهة ( إيذاناً بأن ذلك مع سعته ليس فيها شيء لإقامة البينة وإنما هو للفتكه ومجرد التلذذ .
ولما كان التوسع في التلذذ يخشى منه غوائل جمة قال : ( آمنين ) أي وهم في غاية الأمن من كل مخوف .
ولما ذكر الأمان ، وكان أخوف ما يخاف أهل الدنيا الموت ، قال : ( لا يذوقون فيها ) أي الجنة ) الموت ) أي لا يتجدد لهم أوائل استطعامه فكيف بما وراء ذلك .
ولما كان المراد نفي ذلك على وجه يحصل معه القطع بالأمن على أعلى الوجوه ، وكان الاستثناء معيار العموم ، وكان من المعلوم أن ما كان في الدنيا من ذوق الموت الذي هو معنى من المعاني قد استحال عوده ، قال معللاً معلقاً على هذا المحال : ( إلا الموتة ( ولما كان المعنى مع إسناد الذوق إليه لا يلبس لأن ما قبل نفخ الروح ليس مذوقاً ، عبر بقوله : ( الأولى ( وقد أفهم التقييد بالظرف أن النار يذاق فيها الموت ، والوصف بالأولى أن المذوق موتة ثانية ، فكان كأنه قيل : لكن غير المتقين ممن كان عاصياً فيدخل النار المتقين أعم من الراسخين وغيرهم ، فيكون الحكم على المجموع ، أي أن الكل لا يذوقون ، وبعضهم - وهم من أراد الله من العصاة - يذوقونه في غيرها وهو النار ، ويجوز أن تكون الموتة الأولى كانت في الجنة المجازية فلا يكون تعليقاً بمحال ، وذلك أن المتقي لم يزل فيها في الدنيا مجازاً بما له من التسبب وبما سبق من حكم الله له بها ، قال ( صلى الله عليه وسلم ) : ( المؤمن إذا عاد أخاه لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع ) ، قيل : وما خرفة الجنة ؟ قال : ( جناها ) ( وإذا مررتم برياض الجنة فارتعوا ) وكذا المحكوم له بما هو فيها عند الموت وبعده بما له من التمتع بالنظر ونحوه من الأكل للشهداء وغير ذلك مما ورد في الأخبار الصحيحة ، ومن ذلك ما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه أن عمه النضر رضي الله عنه