كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)

صفحة رقم 91
ولما كانت آيات الأنفس أدق وأدل على القدرة والاختيار بما لها من التجدد والاختلاف ، قال : ( لقوم ) أي فيهم أهلية القيام بما يحاولونه ) يوقنون ) أي يتجدد لهم العروج في درجات الإيمان إلى أن يصلوا إلى شرف الإيقان ، فلا يخالطهم شك في وحدانيته ؛ قال الحرالي في تفسير ) أو كالذي مر على قرية ( : آية النفس منبهة على آية الحس ، وآية الحس منبهة على آية النفس ، إلا أن آية النفس أعلق ، فهي لذلك أهدى ، غاية آية الآفاق الإيمان ، وغاية آية النفس اليقين .
ولما ذكر الظرف وما خلق لأجله من الناس ، ضم إليهم بعض ما خلقه لأجلهم لشرفه بالحياة ، أتبعه ما أودع الظرف من المرافق لأجل الحيوان فقال : ( واختلاف الّيل والنهار ( بذهاب أحدهما ووجود الآخر بعد ذهابه على التعاقب آية متكررة للدلالة على القدرة على الإيجاد بعد الإعدام بالبعث وغيره ، وجر ( اختلاف ) بتقدير ( في ) فينوب حرف العطف مناب عامل واحد للابتداء عند من رفع ( آيات ) ، ومناب ( إن ) عند من نصب ، فلم يلزم نيابته مناب عاملين مختلفين في الابتداء في الرفع وفي ( إن ) في النصب .
ولما كان المطر أدل مما مضى على البعث والعزة ، لأن الشيء كلما قل الإلف له كان أمكن للتأمل فيه ، أولاه إياه فقال : ( وما أنزل الله ) أي الذي تمت عظمته فنفذت كلمته .
ولما كان الإنزال قد يستعمل فيما اتى من علو معنوي وإن لم يكن حسياً ، بين أن المراد هنا الأمران فقال : ( من السماء ( ولما كانت منافع السماء غير منحصرة في الماء قال : ( من رزق ) أي مطر وغيره من الأسباب المهيئة لإخراج الرزق ) فأحيا به ) أي بسببه وتعقبه ) الأرض ) أي الصالحة للحياة ، ولذلك قال : ( بعد موتها ) أي يبسها وتهشم ما كان فيها من النبات وانقلابه بالاختلاط بترابها تراباً ، فإذا نزل عليها الماء جمعه منها فأخرجه على ما كان عليه كلما تجدد نزوله ، ولذلك لم يأت بالجار إشارة إلى دوام الحياة بالقوة إن لم يكن بالفعل .
ولما ذكر ما يشمل الماء ، ذكر سبب السحاب الذي يحمله فقال : ( وتصريف الرياح ( في كل جهة من جهات الكون وفي كل معنى من رحمة وعذاب وغير ذلك من الأسباب ، ولم يذكر الفلك والسحاب كما في البقرة لاقتضاء اللبابية المسماة بها الحواميم ، ذلك لأنهما من جملة منافع التصريف ، وتوحيد حمزة والكسائي أبلغ لأن تصريف الشيء الواحد في الوجوه الكثير أعجب ) آيات ( قراءة الرفع أبلغ لإشارتها بعدم الحاجة إلى التأكيد إلى أن ما في الآية ظاهر الدلالة على القدرة والاختيار للصانع بما في التصريف من الاختلاف ، والماء بما يحدث عنه من الإنبات أوضح دلالة من بقيتها على

الصفحة 91