كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)
صفحة رقم 93
يواصل استماعه لها بلسان القال أو الحلا من أيّ تال كان ، عالية ) عليه ( بجميع ما فيها من سهولة فهمها وعذوبة ألفاظها وظهور معانيها وجلالة مقاصدها مع الإعجاز فكيف إذا كان التالي أشرف الخلق .
ولما كانت تلاوتها موجبة لإقلاعه فكان إصراره مع بعد رتبته في الشناعة مستبعداً كونه قال : ( ثم يصر ) أي يدوم دوماً عظيماً على قبيح ما هو فيه حال كونه ) مستكبراً ) أي طالباً الكبر عن الإذعان وموجداً له .
ولما كان مع ما ذكر من حاله يجوز أن يكون سماعه لها ، خفف من مبالغته في الكفر ، بين أنها لم تؤثر فيه نوعاً من التأثير ، فكان قلبه أشد قسوة من الحجر فقال : ( كأن ) أي كأنه ) لم يسمعها ( فعلم من ذلك ومن الإصرار وما قيد به من الاستكبار أن حاله عند السماع وقبله وبعده على حد سواء ، وقد علم بهذا الوصف أن كل منلم ترده آيات الله تعالى كان مبالغاً في الإثم والإفك ، فكان له الويل .
ولما كان الإصرار معناه الدوام المتحكم ، لم يذكر الوقر الذي هو من الأمراض الثابتة كما ذكره في سورة لقمان ، قال ابن القطاع وابن ظريف في أفعالهما ، أصر على الذنب والمكروه : أقام ، وقال عبد الغافر الفارسي في المجمع : أصررت على الشيء أي أقمت ودمت عليه ، وقال ابن فارس في المجمل : والإصرار : العزم على الشيء والثبات عليه ، وقال أبو عبد الله القزاز في ديوانه ونقله عن عبد الحق في واعيه ، وأصل الصر الإمساك ، ومنه يقال : أصر فلان على كذا ، أي أقام عليه وأمسكه في نفسه وعقهد لأنه قد يقول ما ليس في نفسه وما لا يعتقده ، والرجل مصر على الذنب أي ممسك له معتقد عليه ، ثم قال : من الإصرار عليه وهو العزم على أن لا يقلع عنه ، وقال الأصفهاني تبعاً لصاحب الكشاف : وأصله من أصر الحمار على العانة ، وهو أن ينحني عليها صاراً أذنيه .
ولما أخبر عن ثباته على الخبث ، سببب عنه تهديده في أسلوب دال - بما فيه من التهكم - على شدة الغضب وعلى أنه إن كان له بشارة فهي العذاب فلا بشارة له أصلاً فقال تعالى : ( فبشره ) أي على هذا الفعل الخبيث ) بعذاب ( لا يدع له عذوبة أصلاً ) أليم ) أي بليغ الإيلام .
ولما بين تعالى كفره بما يسمع من الآيات ، أتبعه ما هو أعم منه فقال : ( وإذا علم ) أي أيّ نوع كان من أسباب العلم ) من آياتنا ) أي على ما لها من العظمة بإضافتها إلينا ) شيئاً ( وراءه وكان كلما رأوا الإنسان في غاية التمكن منه ، قال مبيناً للعذاب : ( جهنم ) أي تأخذهم لا محالة وهم في غاية الغفلة عنها بترك الاحتراز منها ، ويحسن التعبير بالوراء أن الكلام في الأفاك ، وهو انصراف الأمور عن أوجهها إلى اقفائها فهو