كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 7)

صفحة رقم 94
ماش أبداً إلى ورائه فهو ماش إلى النار بظهره ، ويستعمل ، ( وراء ) في الإمام ، فيكون حينئذ مجاراً عن الإحاطة أي تأخذهم من الجهة التي هم بها عالمون والجهة التي هم بها جاهلون ، فتلقاهم بغاية التجهم والعبوسة والغيظ والكراهة ضد ما كانوا عليه عند العلم بالآيات المرئية والمسموعة من الاستهزاء الملازم للضحك والتمايل بطراً وأشراً ، ومثل ما كانوا عليه عند الملاقاة للمصدقين بتلك الآيات .
ولما كانوا يظهرون الركون إلى ما بأيديهم من الأعراض الفانية ، قال : ( ولا يغني عنهم ) أي في دفع ذلك ) شيئاً ) أي من إغناء .
ولما كان هؤلاء لما هم عليه من العمى يدعون إغناء آلهتهم عنهم ، قال مصرحاً بها : ( ولا ما اتخذوا ) أي كلفوا أنفسهم أي كلفوا أنفسهم بأخذه مخالفين لما دعتهم إليها فطرهم الأولى السليمة من البعد عنها .
ولما كان كفرهم إنما هو الإشراك ، فكانوا يقولون ( الله ) أيضاً ، قال معبراً بما يفهم سفول ما سواه : ( من دون الله ) أي أدنى رتبة من رتب الملك الأعظم ) أولياء ) أي يطمعون في أن يفعلوا معهم ما يفعله القريب من النفع والذب والدفع ) ولهم ( مع عذابه بخيبة الأمر ) عذاب عظيم ( لا يدع جهة من جهاتهم ولا زماناً من أزمانهم ولا عضواً من أعضائهم إلا ملأه .
ولما أخبر عما لمن أعرض عن الآيات بما هو أجل موعظة وأردع زاجر عن الضلال ، قال مشيراً إلى ما افتتح به الكلام من المتلو الذي هذا منه : ( هذا ) أي التنزيل المتلو عليكم ) هدى ) أي عظيم جداً بالغ في الهداية كامل فيها ، فالذين اهتدوا بآيات ربهم لأنهم - لم يغتروا بالحاضر لكونه زائلاً فاستعملوا عقولهم فآمنوا به لهم نعيم مقيم ) والذين كفروا ) أي ستروا ما دلتهم عليهم مرائي عقولهم به - هكذا كان الأصل ، ولكنه نبه على أن كل جملة من جمله ، بل كل كلمة من كلماته دلالة واضحة عليه سبحانه فقال : ( بآيات ربهم ) أي وهذه التغطية بسبب التكذيب بالعلامات الدالة على وحدانية المحسن إليهم فضلوا عن السبيل لتفريطهم في النظر لغروهم بالحاضر الفاني ) لهم عذاب ( كائن ) من رجز ) أي عقاب قذر شديد جداً عظيم القلقلة وةالاضطراب متتابع الحركات ، قال القزاز ، الرجز والرجس واحد ) أليم ) أي بليغ الإيلام ، الآية من الاحتباك : ذكر الهدى أولاً دليلاً على الضلال ثانياً ، والكفر والعذاب ثانياً دليلاً على ضدهما أولاً ، وسره أنه ذك رالسبب المسعد ترغيباً فيه ، والشمقى ترهيباً منه .
ولما ذكر سبحانه وتعالى صفة الربوبية ، ذكر بعض آثارها وما فيها من أياته ، فقال مستأنفاً دالاً على عظمتها بالاسم الأعظم : ( الله ) أي الملك الأعلى المحيط بجميع

الصفحة 94