كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 7)

تقول: [من الطويل]
ألا ليتنا يا عزّ كنّا لذي غنى ... بعيرين نرعى في الخلاء ونعزب
كلانا به عزّ فمن يرنا يقل ... على حسنها جرباء تعدي وأجرب
إذا ما وردنا منهلا صاح أهله ... علينا فما ننفكّ نرمى ونضرب
وددت وبيت الله أنّك بكرة ... هجان وأني مصعب ثم نهرب
نكون بعيري ذي غنى فيضيعنا ... فلا هو يرعانا ولا نحن نطلب
ويلك! أتمنيت لها ولنفسك الرّقّ والجرب والرّمي والطّرد والمسخ؟ فأي مكروه لم تتمنّ لها ولنفسك؟ لقد أصابها منك مثل قول الأول: معاداة عاقل خير من مودّة أحمق. قال: فجعل يختلج جسده كلّه، ثم أقبل عليه الأحوص فقال له: إليّ يا ابن استها، أخبرني بخبرك وتعرّضك للشرّ وعجزك عنه وإهدافك لمن رماك، أخبرني عن قولك: [من الطويل]
وقلن- وقد يكذبن- فيك تعيّف ... وشؤم إذا ما لم تطع صاح ناعقه
وأعييتنا لا راضيا بكرامة ... ولا تاركا شكوى الذي أنت صادقه
وأدركت صفو الودّ منّا فلمتنا ... وليس لنا ذنب فنحن مواذقه
وألفيتنا سلما فصدّعت بيننا ... كما صدّعت بين الأديم خوالقه
والله لو احتفل عليك هاجيك لما زاد على ما بؤت به على نفسك. قال: فخفق كما يخفق الطائر. ثم أقبل عليه نصيب فقال: أقبل عليّ يا زبّ الذباب، فقد تمنّيت معرفة غائب عندي علمه فيك حيث تقول: [من الطويل]
وددت وما تغني الودادة أنّني ... بما في ضمير الحاجبيّة عالم
فإن كان خيرا سرّني وتركته ... وإن كان شرّا لم تلمني اللّوائم
انظر في مرآتك، واطّلع في جيبك، واعرف صورة وجهك، تعرف ما عندها لك. فاضطرب اضطراب العصفور، وقام القوم يضحكون، وجلست عنده.

الصفحة 294