كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 7)

وكان يسبق الخيل عدوا على رجليه هو والشّنفرى الأزديّ وعمرو بن برّاق، وله أخبار تبعد عن الصحّة. وهو ثابت بن جابر بن سفيان بن عديّ بن كعب بن حرب بن شيم بن سعد بن فهم بن عمرو بن قيس بن غيلان. فمن أخباره أنه كان يأتي امرأة يقال لها الزرقاء، وكان لها ابن من هذيل معها في أهلها، فقال لها ابنها وهو غلام قد قارب الحلم: ما هذا الرجل عليك؟ قالت: عمك، إنه كان صاحبا لأبيك. فقال لها: إني والله ما أدري ما شأنه، ولا رأيته عندك! والله لئن رأيته عندك لأقتلنّه قبلك. فلما رجع إليها تأبّط شرا أخبرته الخبر فقالت: إنه شيطان من الشياطين! والله ما رأيته مستثقلا نوما قط، ولا ممتلئا ضحكا قط، ولا همّ بشيء قط مذ كان صغيرا إلا فعله؛ ولقد حملته فما رأيت عليه دما حتى وضعته، وحملته وإني لمتوسّدة سرجا في ليلة هرب، وإنّ نطاقي لمشدود وإنّ على أبيه لدرع حديد، فاقتله، فأنت والله أحبّ إليّ منه. قال: أفعل. فمرّ به وهو يلعب مع الغلمان فقال: انطلق معي أهبك نبلا. فمشى معه شيئا ثم وقف:
وقال: لا أرب لي في نبلك. ثم رجع فلقي أمّه فقال: والله ما أقدر عليه. وحال بينهما الغلام سنوات، ثم قال لها: إني قاتله، أغزو به فأقتله، فقالت: افعل.
فقال تأبّط شرا للغلام: هل لك في الغزو؟ قال: نعم. فخرج معه غازيا لا يرى له غرّة حتى مرّ بنار ليلا، وهي نار بني أم قترة الفزاريين، وكانوا في نجعة. فلما رأى تأبّط شرا النار وقد عرفها وعرف أهلها وأنهما لا يلقيان شيئا إلا أهلكاه، أكبّ على رجله وقال: بهشت بهشت! النار النار! فخرج الغلام يهوي قبل النار حتى صادف عليها رجلين فواثباه فقتلهما جميعا، ثم أخذ جذوة من النار وأقبل يهوي إليه، فلما رأى النار تهوي قبله قال في نفسه: قتل والله واتبعوا أثره.
قال تأبّط فخرجت أسعى حتى إذا بلغت النار حيث كنت استدرت طوفا أو طوفين ثم اتّبعت أثره. فما نشب أن أدركني ومعه جذوة من نار ويطرد إبل القوم، فقال: ما لك ويلك! أتعبتني منذ الليلة، قال: قلت إني والله ظننت أنك قتلت، قال: لا والله، بل قتلت الرجلين، عاديت بينهما.

الصفحة 346